أو أنها تخبر بما أخرجت من أثقالها، كما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - قَالَ :" إِذَا كَانَ أَجَلُ الْعَبْدِ بِأَرْضٍ أَوْثَبَتْهُ إِلَيْهَا حَاجَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ أَقْصَى أَثَرَهُ، فَيُقْبَضَ، فَتَقُولُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : هَذَا عَبْدُكَ مَا اسْتَوْدَعْتَنِي " (١).
أو أنها تحدث بقيام الساعة إذا قال الإنسان : ما لها ؟ وهذا قول ابن مسعود، فتخبر أن أمر الدنيا قد انقضى، وأمر الآخرة قد أتى، فيكون ذلك منها جوابا لهم عند سؤالهم، ووعيدا للكافر، وإنذارا للمؤمن (٢).
٩- في يوم الزلزلة يذهب الناس من مخارج قبورهم إلى الموقف، بعضهم إثر بعض، أو يرجعون وينصرفون من موقف الحساب إلى موضع الثواب والعقاب فرقا فرقا، ليروا صحائف أعمالهم، أو جزاء أعمالهم وهو الجنة أو النار، وما يناسب كلّا منهما.
١٠- كل من يعمل في الدنيا عملا خيرا صغيرا أو كبيرا، يره بعينه أو يره اللَّه إياه يوم القيامة، وكل من يعمل في الدنيا عملا شرا مهما كان قليلا، يره بنفسه أو يره اللَّه إياه يوم القيامة. أو أن المراد : يجد جزاءه إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
أما الكافر كما تقدم فحسناته في الآخرة محبطة بكفره وترد في وجهه، ويجد عقاب ما فعل من كفر أو شر، فيعذب بسيئاته، أي أن عموم الآية قائم، ولكن لا تقبل حسنات الكفار.
قال ابن مسعود عن آية : فَمَنْ يَعْمَلْ.. : هذه أحكم آية في القرآن.
وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية. عَنْ كَعْبٍ، أَنَّهُ قَالَ : فِي الْقُرْآنِ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - ﷺ - آيَتَانِ أَحْصَتَا مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَلَا تَجِدُونَ : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ قَالَ جُلَسَاؤُهُ : نَعَمْ، قَالَ : فَإِنَّهُمَا أَحْصَتَا مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ " (٣)
وكان النبي - ﷺ - كما تقدم- يسمي هذه الآية الجامعة الفاذّة.
عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَمِّ الْفَرَزْدَقِ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ - ﷺ -، فَقَرَأَ عَلَيْهِ :" فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ "، قَالَ : حَسْبِي، لَا أُبَالِي أَنْ لَا أَسْمَعَ غَيْرَهَا "
وقَالَ الْحَسَنُ : قَدِمَ عَمُّ الْفَرَزْدَقِ صَعْصَعَةُ الْمَدِينَةَ لَمَّا سَمِعَ : مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ، قَالَ :" حَسْبِي لَا أُبَالِي أَنْ أَسْمَعَ غَيْرَ هَذَا " (٤)

(١) - السُّنَّةُ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ (٣١٨ ) صحيح
(٢) - تفسير القرطبي : ٢٠/ ١٤٨- ١٤٩
(٣) - حِلْيَةُ الْأَوْلِيَاءِ(٧٨١٨ ) حسن
(٤) - مُسْنَدُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (٢٠١٦٩ ) صحيح


الصفحة التالية
Icon