الشمس فيها سراجا وهاجا، سراجا قويا، متلألئا وقادا، وقد أنزلنا من السحب ماء منصبا كثيرا، ليخرج بسببه الحب من حنطة وأرز وغيرهما، والنبات من عشب وحشائش وغيرهما، ولتخرج بسببه الجنات الملتفة الأغصان، والحدائق الملتفة الأشجار لتقارب أغصانها وطول أفنانها، إن يوم الفصل كان ميقاتا.
أليس الذي خلق هذا بقادر على أن يحيى الموتى يوم الفصل ؟ ! أمن من على الناس بتلك النعم يعجز عن يوم يكون فيه الفصل والقول الحق، والميزان العدل بين الخلائق فيفصل المحسن عن المسيء ويجازى كلا على عمله ؟ ! إن يوم الفصل كان ميقاتا معلوما ينتهى إليه الناس فيجتمعون فيه ليرى كل عاقبة عمله، ونهاية أمره وَما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ فيوم الفصل مؤقت بأجل محدود لا يزاد عليه ولا ينقص منه ولا يعلمه إلا اللّه.
كيف حال ذلك اليوم ؟ ! وما حال المكذبين به ؟ ! إنه هو يوم الفصل، ليس بالهزل. إنه يوم الفزع الأكبر، يوم ينفخ في الصور، النفخة الثانية التي يأتى بسببها الناس أفواجا، تأتى كل أمة بإمامها، وتأتى كل جماعة منفردة من غيرها، قد فتحت السماء فكانت أبوابا إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ فالقرآن يفسر بعضه بعضا، والمراد : انشقت السماء انشقاقا يشبه فتح الباب في السهولة والسرعة وقد سيرت الجبال في الجو على صورتها بعد تفتتها وبعد قلعها من مقارها، فتصبح كأنها سراب، فهي سراب غليظ يرى من بعيد كأنه جبل وما هو بالجبل.
إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً نعم كانت جهنم في ذلك اليوم مكانا وموضعا لرصد الكفار للعذاب لأنهم الطغاة المتجاوزون الحدود، كانت لهم مآبا ومرجعا يؤوبون إليه، حالة كونهم لابثين فيها أحقابا، أى : ماكثين فيها أزمانا غير محدودة، أزمانا متعاقبة متلاحقة لا يعلمها إلا اللّه، حالة كون الماكثين فيها لا يذوقون شيئا إلا ماء حميما. وصديدا يقطر من جلود أهل النار!! جزاهم ربك على أفعالهم جزاء وفاقا!! وما السبب ؟ إنهم كانوا لا يرجون حسابا على أعمالهم، وكذبوا بآياتنا الناطقة على إمكان البعث وكمال القدرة تكذيبا مفرطا، وكل شيء من الأشياء التي من جملتها أعمالهم حفظناه وضبطناه في كتاب وأحصيناه إحصاء، إذا كان الأمر كذلك فيقال لهم : ذوقوا هذا العذاب، فلن نزيدكم بعده إلا عذابا مثله أو أشد. (١)
التفسير والبيان :
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً أي إن يوم القيامة وقت ومجمع وميعاد للأولين والآخرين، ينالون فيه ما وعدوا به من الثواب والعقاب. وسمي يوم الفصل لأن اللّه تعالى يفصل فيه بحكمه بين خلقه.
ثم ذكر اللّه تعالى علامات ثلاثا لهذا اليوم، فقال :

(١) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨١٣)


الصفحة التالية
Icon