وإنما قال : يَوْمَئِذٍ مع أنه تعالى عالم بأحوال الناس في كل وقت، للتأكيد على أنه عالم بذلك يوم المجازاة.
وعبّر عن المجازاة بالخبرة والعلم المحيط بهم ولأعمالهم لأن القصد هو التهديد، كما قال تعالى : سَنَكْتُبُ ما قالُوا [آل عمران ٣/ ١٨١] مع أن كتابة أقوالهم وأفعالهم حاصلة فعلا، وإنما أراد أننا سنجازيهم بما قالوا الجزاء المناسب.
فيكون قوله تعالى : لَخَبِيرٌ وهو تعالى خبير دائما فيه تضمين (خبير) معنى مجاز لهم في ذلك اليوم (١).
وهذه الآية تدل على كونه تعالى عالما بالجزئيات الزمانيات لأنه تعالى نص على كونه عالما بكيفية أحوالهم في ذلك اليوم، فيكون منكر ذلك كافرا.
ومضات :
قال الإمام : وهو وصف عرض للخيل من الغاية التي أجريت لها، أي : أنها تعدو ويشتد عدوها حتى يخرج الشرر من حوافرها، لتهجم على عدوّ وقت الصباح، وهو وقت المفاجأة لأخذ العدو على غير أهبة.
﴿ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً ﴾ أي : فأهجن بذلك الوقت غباراً من الإثارة، وهي التهييج وتحريك الغبار ونحوه ليرتفع. والنقع : الغبار كما ذكرنا، وورد بمعنى الصياح، فجوّز إرادته هنا بمعنى صياح من هجم عليه، وأوقع به. لا صياح المغير على المحارب، وإن جاز على بُعد فيه، أي : هيجن الصياح بالإغارة على العدوّ، وضمير ﴿ بِهِ ﴾ للوقت والباء ظرفية. وفيه احتمالات أخر ككونه للعدو أو للإغارة، لتأويلها بالجري. فالباء سببية أو للملابسة. ويجوز كونها ظرفية أيضاً. والضمير للمكان الدال عليه السياق، للعلم بأن الغبار لا يثار إلا من موضع. وهو الذي اختاره ابن جرير.
قال الشهاب : وذكر إثارة الغبار، للإشارة إلى شدة العدو وكثرة الكرّ والفرّ. وتخصيص الصبح لأن الغارة كانت معتادة فيه، أي : لمباغتة العدوّ. والغبار إنما يظهر نهاراً. و أثرن معطوف على ما قبله.
قال الناصر : وحكمة الإتيان بالفعل معطوفاً على الاسم الذي هو العاديات أو ما بعدهُ، لأنها أسماء فاعلين تعطي معنى الفعل. وحكمة مجيء هذا المعطوف فعلاً عن اسم فاعل، تصوير هذه الأفعال في النفس. فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم لما بينهما من التخالف. وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسقة. وكذلك التصوير بالمضارع بعد الماضي.

(١) - البحر المحيط : ٨/ ٥٠٥


الصفحة التالية
Icon