وقوله تعالى :﴿ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ﴾ أي : فتوسطن ودخلن في وسط جمع من الأعداء، ففرقته وشتته. يقال : وسطت القوم بالتخفيف، و وسطته بالتشديد، و توسطتهُ بمعنى واحد. وفي الضمير الوجوه المتقدمة.
قال الإمام رحمه الله : أقسم تعالى بالخيل متصفة بصفاتها التي ذكرها آتية بالأعمال التي سردها ؛ لينوه بشأنها ويعلي من قدرها في نفوس المؤمنين أهل العمل والجد ؛ ليعنوا بقنيتها وتدريبها على الكر والفر، وليحملهم أنفسهم على العناية بالفروسية والتدرب على ركوب الخيل، والإغارة بها ؛ ليكون كل واحد منهم مستعداً في أي : وقت كان، لأن يكون جزءاً من قوة الأمّة إذا اضطرت إلى صدّ عدو، أو بعثها باعث على كسر شوكته. وكان في هذه الآيات القارعات، وفي تخصيص الخيل بالذكر في قوله :﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [ الأنفال : ٦٠ ]، وفيما ورد من الأحاديث التي لا تكاد تحصر ما يحمل كل فرد من رجال المسلمين على أن يكون في مقدمة فرسان الأرض مهارة في ركوب الخيل، ويبعث القادرين منهم على قنية الخيل على التنافس في عقائلها، وأن يكون فن السباق عندهم يسبق بقية الفنون إتقاناً. أفليس أعجب العجب أن ترى أمماً، هذا كتابها، قد أهملت شأن الخيل والفروسية، إلى أن صار يشار إلى راكبها بينهم بالهزؤ والسخرية ؟ وأخذت كرام الخيل تهجر بلادهم إلى بلاد أخرى. (١)
في آيات السورة تنديد ببعض أخلاق الإنسان وإنذار له، وقد تضمنت :
١ - قسما ربانيا بالخيل وهي تعدو عدوا شديدا حين تعتزم الإغارة فيغدو نفسها ضبحا وينقدح من اصطدام حوافرها بالحجارة الشرر، ويثور الغبار، وتتوسط الجمع المغار عليه على أن الإنسان جاحد لنعمة اللّه مع ما يشهده من آثار أفضال اللّه عليه، مستغرق في حب المال.
٢ - وتساؤلا في معرض الاستنكار والإنذار والتذكير عما إذا كان الإنسان لا يعرف أن اللّه محاسبه على ما يقدم من عمل حين يبعث الناس من قبورهم ويواجهون بأعمالهم، ولسوف يظهر لهم جليا أن اللّه خبير بهم وبأعمالهم.
والمتبادر أنه أريد بوصف الإنسان بما وصف تقرير كون ذلك هو الطبع الغالب على الجبلة الإنسانية وأن الآيات قد استهدفت تنبيه الإنسان إلى ما في هذه الأخلاق من شطط ومجانبة للحق والواجب نحو اللّه والناس وحمله على تجنبها وتذكيره بنعمة ربه عليه وكونه محيطا بأعماله مراقبا له فيها ومحاسبه عليها في الحياة الأخرى.