وإطلاق الآيات وعدم احتوائها إشارة إلى موقف معين يسوغان القول بأنها بسبيل عرض أهداف الدعوة ومبادئها عرضا عاما كسابقتها، كما يسوغ وصفها بما وصفت به سور الفاتحة والأعلى والليل والفجر والعصر أيضا.
والأهداف التي احتوتها جليلة في صدد الأخلاق الشخصية والاجتماعية، حيث إنها ترتفع بالإنسان إلى أن لا يكون المال هو كل شيء لديه فينسيه واجباته نحو ربه بالاعتراف بربوبيته والخضوع له وشكره على نعمه، ونحو الناس بالبر والرحمة.
ويلفت النظر بنوع خاص إلى التنديد بحب المال. وما سبق من مثل ذلك في سورة الفجر حيث يتلاحق الإيذان الرباني بكراهية اكتناز المال واستقطاب الثروة على ما نبهنا عليه في سياق سورة الفجر.
وقد يكون القسم القرآني بالخيل متصلا بما كان للخيل والفروسية في عصر النبي - ﷺ - وبيئته من أهمية بالغة. حيث ينطوي فيه صورة من صور ذلك العصر والبيئة. ولقد روى البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وأبو داود حديثا عن عروة الباقي قال :«قال النبي - ﷺ - الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، الأجر والمغنم» مما قد يكون فيه توكيد لتلك الأهمية البالغة.
ولقد روى الطبرسي المفسر الشيعي أن السورة مدنية. وروى مناسبتين لنزولها واحدة عن مقاتل جاء فيها أن النبي - ﷺ - بعث سرية إلى حي من حنانة عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري فتأخر رجوعهم فقال المنافقون إنهم قتلوا جميعهم فأخبر اللّه تعالى بما كان من غارتهم ونصرهم. وثانية عن الإمام أبي عبد اللّه جاء فيها أنها نزلت في مناسبة بعث النبي - ﷺ - عليّ بن أبي طالب إلى ذات السلاسل ونصره بعد أن أرسل مرارا غيره فعادوا بدون نصر. وأنها لما نزلت خرج رسول اللّه - ﷺ - الغداة فصلى بالناس وقرأ السورة وقال إن عليا ظفر بأعدائه وبشرني جبريل بذلك هذه الليلة في هذه السورة. وجمهور المفسرين على أنها مكية مبكرة في النزول، وأسلوبها وفحواها يؤيدان ذلك بكل قوة. ونخشى أن يكون للهوى الشيعي أثر في رواية مدنيتها فإن الرواة الشيعيين دأبوا يروون روايات كثيرة في مناسبات آيات كثيرة لتأييد هواهم بقطع النظر عن ما في الروايات من مآخذ على ما سوف ننبه عليه في مناسباته. (١)
قوله تعالى :« وَالْعادِياتِ ضَبْحاً. فَالْمُورِياتِ قَدْحاً. فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً.. » العاديات : جمع عادية، وهى الخيل تعدو فى خفّة، وسرعة، كما يعدو خفيف الوحش.

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٢ / ٨)


الصفحة التالية
Icon