والحق ما قال الإمام، فإن فرسان الحرب فى الإسلام، كانوا أئمة المسلمين، والقمم العالية فيهم، وحسبنا أن نذكر هنا على بن أبى طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وخالد بن الوليد، وعبيدة بن الجراح، وطلحة والزبير، وسعد ابن أبى وقاص، وغيرهم وغير هم كثير كثير! ولو أن صحابة رسول اللّه - ﷺ - شهدوا عصر الدبابات، والطائرات، والصواريخ، لكانوا أساتذة هذا الميدان، إبداعا واستعمالا، ولكانت الأمم التي تملك الصواريخ اليوم أمما متخلفة، بالنسبة إليهم.. ذلك أن نفوسهم أشرقت بنور الحق، وقلوبهم امتلأت بقوة الإيمان وعزته، فعظمت نفوسهم، واتسعت آمالهم، وأبت عليهم نفوسهم العالية، وهممهم العظيمة أن يسبقها سابق فيما يكسب العزة والسيادة، والمجادة.. فإذا صغرت النفوس، وضعفت الهمم، رضيت بالدّون، واستغنت بالتافة الحقير من الأمور..
فليس بالمؤمن من صغرت نفسه، وضؤل شخصه، وأمسك من دنياه بقبض الريح منها.. واللّه سبحانه وتعالى يقول :« وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ »..
وإنه لا عزة مع الضعف، ولا إيمان بغير القوة والعزة.. القوة فى المادة والروح جميعا.
وقوله تعالى :« إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ. وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ. وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ».
هو جواب القسم بالعاديات..
والكنود : الجاحد لنعمة ربه، المنكر لإحسانه إليه..!
وهذا شأن كثير من الناس، بل هو شأن معظم الناس، ولهذا جاء الحكم مطلقا، إذ ليس فى الناس إلا قلة قليلة هى التي تعرف فضل اللّه عليها، وإحسانه إليها، ومع هذا فإنها لن تبلغ مهما اجتهدت، ما ينبغى للّه سبحانه من حمد وشكر.. وإلى هذا يشير قوله تعالى :« وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ » (١٣ : سبأ) وفى قوله تعالى :« وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ » ـ استدعاء للإنسان أن يستحضر وجوده، وأن يحاسب نفسه، وسيرى ـ إن كان على علم وحق ـ أنه مقصر فى حق اللّه، جاحد لفضله عليه.. وأن حبه الشديد لتحصيل المال، والاستكثار منه، هو آفته التي تنسيه فضل اللّه عليه، فيغمط حقوق اللّه، ويعمى عن وجوه الإنفاق فى سبيل اللّه.. وفى التعبير عن المال بلفظ الخير ـ إشارة إلى أنه خير فى ذاته، ولكنه قد يتحول فى أيدى كثير من الناس إلى شر مستطير يحرق أهله!! وقوله تعالى :« أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ ». أي أفلا يعلم هذا الإنسان الكنود، وهو يحاسب نفسه، أنّه إذا بعثر ما فى القبور، وخرج الموتى من قبورهم إلى المحشر، « وحصّل » أي جمع ما فى صدورهم من خفايا أعمالهم، ورأوه عيانا بين أيديهم ـ أفلا يعلم ما يكون عليه حاله يومئذ، وما ينزل به من عذاب اللّه ؟.