وفى حذف مفعول الفعل « يعلم ».. استدعاء للعقل أن يبحث عن هذا المفعول، وأن يستدلّ عليه، وفى هذا ما يدعوه إلى إعمال فكره، فيجد العبرة والعظة.. أي أفلا يعلم ما يكون فى هذا اليوم ؟ إنه لو علم لكان له مزدجر عن غيّه وضلاله.
وقوله تعالى :« إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ». هو تعقيب على هذا السؤال :« أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ ».. أي فإذا لم يكن يعلم ماذا يكون فى هذا اليوم، فليذكر هذه الحقيقة المطلقة، التي ينادى بها فى الوجود كله، وهى حقيقة ثابتة :« إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ ».. إذا علم هذه الحقيقة، وآمن بها، علم ماذا يكون عليه حاله يومئذ.. إن ربه الذي يعلم كل شىء، قد علم ما كان منه فى الدنيا، وأنه محاسبه على ما عمل..
وليس الظرف فى قوله تعالى :« إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ » قيد لعلم اللّه وحصره فى هذا اليوم، بل إن علم اللّه بما يعمل الناس، هو علم دائم متصل، ولكن علمه فى هذا اليوم بأعمال الناس، يقتضى محاسبتهم عليها، وجزاءهم بما عملوا.. فهذا يوم الجزاء لعمل كل عامل.. (١)
يقسم الله سبحانه بخيل المعركة، ويصف حركاتها واحدة واحدة منذ أن تبدأ عدوها وجريها ضابحة بأصواتها المعروفة حين تجري، قارعة للصخر بحوافرها حتى توري الشرر منها، مغيرة في الصباح الباكر لمفاجأة العدو، مثيرة للنقع والغبار. غبار المعركة على غير انتظار. وهي تتوسط صفوف الأعداء على غرة فتوقع بينهم الفوضى والاضطراب!
إنها خطوات المعركة على ما يألفه المخاطبون بالقرآن أول مرة.. والقسم بالخيل في هذا الإطار فيه إيحاء قوي بحب هذه الحركة والنشاط لها، بعد الشعور بقيمتها في ميزان الله والتفاته سبحانه إليها؟
وذلك فوق تناسق المشهد مع المشاهد المقسم عليها والمعقب بها كما أسلفنا. أما الذي يقسم الله سبحانه عليه، فهو حقيقة في نفس الإنسان، حين يخوى قلبه من دوافع الإيمان. حقيقة ينبهه القرآن إليها، ليجند إرادته لكفاحها، مذ كان الله يعلم عمق وشائجها في نفسه، وثقل وقعها في كيانه :﴿ إن الإنسان لربه لكنود. وإنه على ذلك لشهيد. وإنه لحب الخير لشديد ﴾..
إن الإنسان ليجحد نعمة ربه، وينكر جزيل فضله. ويتمثل كنوده وجحوده في مظاهر شتى تبدو منه أفعالاً وأقوالاً، فتقوم عليه مقام الشاهد الذي يقرر هذه الحقيقة. وكأنه يشهد على نفسه بها. أو لعله يشهد على نفسه يوم القيامة بالكنود والجحود :﴿ وإنه على ذلك لشهيد ﴾.
. يوم ينطق بالحق على نفسه حيث لا جدال ولا محال!