نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً الواردة بعدهما وبعضهم قال إن الجملة تعني في حدّ ذاتها الخلود لأنها لم تعين للأحقاب حدا. وعلى كل حال فالتعبير القرآني أسلوبي بقصد بيان طول أمد العذاب إلى ما لا نهاية له. (١)
قوله تعالى :« إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً » هو تهديد للمشركين بهذا اليوم الذي يكذبون به، ويختلفون فيه.. إنه آت لا ريب فيه، وهو يوم الفصل، فيما هم فيه مختلفون، وفيما يقضى به اللّه سبحانه وتعالى فيهم من عذاب.. والميقات : الموعد الذي أقّت لهذا اليوم..
قوله تعالى :« يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً » هو بدل من يوم الفصل، فيوم الفصل، هو يوم النفخ فى الصور، فإذا نفح فى الصور، بعث الموتى من قبورهم، وجاءوا إلى المحشر أفواجا، أي زمرا، إثر زمر..
قوله تعالى :« وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً، وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً » الواو فى قوله تعالى :« وفتحت » واو الحال، والجملة بعدها حال من فاعل « فتأنون أفواجا ».. أي تأتون جماعات وأمما، وقد فتحت السماء فكانت أبوابا، وأزيح عن أعينكم هذا الغطاء الذي ترونها فيه ـ وأنتم فى الدنيا ـ سقفا سميكا مطبقا.. وكذلك الجبال تبدو وكأنها سراب يتراقص على وجه الأرض..
وقد أشرنا من قبل إلى هذا التبدل الذي يقع فى عوالم الوجود يوم القيامة، وقلنا إنه تبدل يقع فى حواس الإنسان ومدركاته، يومئذ، لا فى هذه العوالم ذاتها يقول الأستاذ الإمام « محمد عبده » رحمه اللّه فى هذا المعنى :« يتغير فى ذلك اليوم ـ يوم القيامة ـ نظام الكون، فلا تبقى أرض على أنها تقلّ، ولاسماء على أنها تظلّى، بل تكون السماء بالنسبة إلى الأرواح مفتحة الأبواب، بل تكون أبوابا، فلا يبقى علو ولا سفل، ولا يكون مانع يمنع الأرواح من السير حيث تشاء..
ثم يقول :« والآخرة عالم آخر غير عالم الدنيا التي نحن فيها، فنؤمن بما ورد به الخبر فى وصفه، ولا نبحث عن حقائقه مادام الوارد غير محال..
ولا شك أن امتناع السماء علينا إنما هو لطبيعة أجسامنا فى هذه الحياة الدنيا..
أما النشأة الأخرى، فقد تكون السماء بالنسبة لنا أبوابا ندخل من أيها شئنا بإذن اللّه.. »

وقوله تعالى :« إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً » هو تهديد للمشركين، المكذبين بيوم القيامة، وبما فيه من حساب وجزاء..

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٥ / ٤٠٦)


الصفحة التالية
Icon