فهذه جهنم على موعد معهم، قد أعدت لهم، ورصدت للقائهم.. إنها مآب ومرجع للطاغين المكذبين، الذين لا يؤمنون باللّه، ولا باليوم الآخر..
قوله تعالى :« لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً » الأحقاب، جمع حقب، والحقب : جمع حقبة.. والحقبة من الزمن، القطعة الطويلة الممتدة منه، وسميت أجزاء الزمن حقبا لأن بعضها يعقب بعضا، ومنه الحقيبة، التي يحملها المرء خلف ظهره، والمراد أن هؤلاء الطاغين الذين أخذوا منازلهم فى جهنم، لا يخرجون منها، بل يعيشون فيها أزمانا بعد أزمان، تتبدل فيها أحوالهم :« كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها، لِيَذُوقُوا الْعَذابَ » (٥٦ : النساء) فهم ليسوا على حال واحدة، بل هم فى أحوال شتى من العذاب، يتقلبون فيه، وينتقلون من حال إلى حال، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى :« لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ » (١٩ : الانشقاق) وقوله سبحانه :« سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً » (١٧ : المدثر) وقوله سبحانه فى آية تالية، فى هذه السورة :« فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً » قوله تعالى :« لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً جَزاءً وِفاقاً » الضمير فى « فيها » يعود إلى جهنم، وبحوز أن يكون عائدا إلى الأحقاب..
أي أن الطاغين الذي ألقوا فى جهنم، لا يذوقون فيها « بردا » أي شيئا من البرد الذي يخفف عنهم سعير جهنم، أولا يجدون شيئا من الراحة والسكون، بل هم فى عذاب دائم :« لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ » (٧٥ : الزخرف) كما أنهم لا يسقون فيها شرابا إلا ما كان من حميم وغساق..
والحميم : الماء الذي يغلى، والغساق : ما يسيل من أجسادهم من صديد يغلى فى البطون كغلى الحميم.. فهذا جزاء من جنس عملهم.. إنهم لم يعملوا إلا السوء، فكان جزاؤهم من حصاد هذا السوء الذي زرعوه، « حزاء وفاقا » لما عملوا، ومجانسا له..
قوله تعالى :« إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً. وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً » هو بيان للسبب الذي من أجله صاروا إلى هذا المصير الكئيب المشئوم.. إنهم كانوا لا يتوقعون حسابا، ولا يؤمنون به، بل كذبوا بآيات اللّه التي تحدثهم عن البعث والجزاء والحساب، فلم يعملوا لهذا اليوم حسابا.
والكذاب : وصف للكذب، ومبالغة فى صفته، كما أن كذاب (بالفتح) مبالغة لمن اتصف به.. أي أنهم كذبوا بآيات اللّه تكذيبا منكرا شنيعا، لما صحب تكذيبهم من سفاهة وتطاول على رسول اللّه..
وفى التعبير عن تكذيبهم بالحساب، بقوله تعالى :« لا يرجون »، مع أن الرجاء عادة إنما يكون لتوقع الخير ـ فى هذا إشارة إلى أن يوم القيامة، من شأنه أن يكون أملا مرجوّا عند الناس، ففيه الحياة الحق، والخلود الدائم، والنعيم الكامل، وأن مقام الإنسان فى الحياة الدنيا


الصفحة التالية
Icon