فاطر).
وقوله تعالى :« ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ » أي لرأيتم الجحيم فى الدنيا رؤية علمية يدلكم عليها العقل، فكأنها ماثلة بين أعينكم.. ثم إنكم بعد ذلك :« لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ » أي رؤية بصرية، واقعية، حيث يشهدها كل من فى المحشر، ويراها رأى العين، كما يقول سبحانه :« وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها » (٧١ : مريم) وكما يقول جل شأنه :« وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى » (٣٦ : النازعات) وتوكيد جواب « لو » هنا لتحقق وقوعه مستقبلا..
وذلك لأن « لو » حرف يمتنع جوابها لامتناع شرطها.. وذلك محقق فى الماضي، لأن الشرط لم يقع، فامتنع لذلك وقوع الجواب..
فإذا جاء الشرط والجواب مضارعين، كان الحكم معلقا، فقد يقع الشرط فيقع تبعا لذلك الجواب، وقد لا يقع الشرط فلا يقع الجواب.. تقول لو جاء الضيف لأكرمته.. وهذا يعنى أن الضيف لم يجىء وبالتالى لم يقع إكرامه..
وتقول لو يجىء الضيف لأكرمنّه.. فالضيف لم يجىء بعد، وقد يجىء، فإذا جاء لم يكن بدّ من إكرامه.. والتوكيد للفعل هنا واجب، لأنه حلّ محل فعل غلب أن يكون ممتنعا وقوعه، وهو جواب لو الماضي الذي يجىء أكثر ما يجىء فعلا ماضيا، فلزم توكيد الجواب هنا، ليقطع كل احتمال لامتناع وقوعه.
وقوله تعالى :« ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ». أي ثم إذ ترون الجحيم فى المحشر، تحاسبون على ما أنعم اللّه به عليكم من نعم، وأجلّها العقل، والرسول، والقرآن.. فمن رعى هذه النعم، وأدى واجب الشكر عليها، نجا من هذه النار، ونزل منازل المؤمنين فى الجنة، ومن كفر يهذه النعم، حرم نعيم الجنة، وألقى به فى عذاب الجحيم (١)
هذه السورة ذات إيقاع جليل رهيب عميق وكأنما هي صوت نذير، قائم على شرف عال. يمد بصوته ويدوي بنبرته. يصيح بنوّم غافلين مخمورين سادرين، أشرفوا على الهاوية وعيونهم مغمضة، وحسهم مسحور. فهو يمد بصوته إلى أعلى وأبعد ما يبلغ :﴿ ألهاكم التكاثر. حتى زرتم المقابر ﴾.. أيها السادرون المخمورون. أيها اللاهون المتكاثرون بالأموال والأولاد وأعراض الحياة وأنتم مفارقون. أيها المخدوعون بما أنتم فيه عما يليه. أيها التاركون ما تتكاثرون فيه وتتفاخرون إلى حفرة ضيقة لا تكاثر فيها ولا تفاخر.. استيقظوا وانظروا.. فقد ﴿ ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ﴾.