شرفه وأهميته، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ - ﷺ - قَالَ « لاَ تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ، وَلاَ تَقُولُوا خَيْبَةَ الدَّهْرِ. فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ » (١)..
والآية كما ذكر الرازي كالتنبيه على أن الأصل في الإنسان أن يكون في الخسران والخيبة.
وقيل : المراد بالعصر : صلاة العصر، أو وقتها تعظيما لها، ولشرفها وفضلها، ولهذا فسّر بها الصلاة الوسطى عند كثير من العلماء. وفيه إشارة إلى أن عمر الدنيا الباقي هو ما بين العصر إلى المغرب، فعلى الإنسان أن يشتغل بتجارة لا خسران فيها، فإن الوقت قد ضاق، وقد لا يمكن تدارك ما فات.
والمراد بالإنسان : الجنس، واللام لام الجنس وهو الراجح. وقيل : اللام في الإنسان لمعهود معين، كما روي عن ابن عباس أنه أراد جماعة من المشركين كالوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن المطّلب. قال أبو حيان : والعصر، والإنسان : اسم جنس يعم، ولذلك صح الاستثناء منه.
ثم استثنى من جنس الإنسان عن الخسران ما يأتي : إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا، وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ، وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ أي إن الإنسان لفي خسارة وضياع ونقصان وهلاك إلا الذين جمعوا بين الإيمان باللَّه والعمل الصالح، فإنهم في ربح، لا في خسر لأنهم عملوا للآخرة، ولم تشغلهم أعمال الدنيا عنها، فآمنوا بقلوبهم، وعملوا بجوارحهم (أعضائهم).
وإلا الذين وصّى بعضهم بعضا بالأمر الثابت الذي لا يسوغ إنكاره : وهو الإيمان باللَّه والتوحيد، والقيام بما شرعه اللَّه، واجتناب ما نهى عنه. والحق خلاف الباطل، ويشمل جميع الخيرات وما يلزم فعله، أو هو أداء الطاعات، وترك المحرّمات. قال الزمخشري : وهو الخير كله، من توحيد اللَّه وطاعته واتباع كتبه ورسله، والزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة.

(١) - صحيح البخارى (٦١٨٢ ) وصحيح مسلم (٦٠٠٢ )
قَالَ الْعُلَمَاء : وَهُوَ مَجَاز، وَسَبَبه أَنَّ الْعَرَب كَانَ شَأْنهَا أَنْ تَسُبّ الدَّهْر عِنْد النَّوَازِل وَالْحَوَادِث وَالْمَصَائِب النَّازِلَة بِهَا مِنْ مَوْت أَوْ هَرَم أَوْ تَلَف مَال أَوْ غَيْر ذَلِكَ، فَيَقُولُونَ : يَا خَيْبَة الدَّهْر، وَنَحْو هَذَا مِنْ أَلْفَاظ سَبّ الدَّهْر، فَقَالَ النَّبِيّ - ﷺ - :" لَا تَسُبُّوا الدَّهْر فَإِنَّ اللَّه هُوَ الدَّهْر " أَيْ لَا تَسُبُّوا فَاعِل النَّوَازِل، فَإِنَّكُمْ إِذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلهَا وَقَعَ السَّبّ عَلَى اللَّه تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ هُوَ فَاعِلهَا وَمُنْزِلهَا. وَأَمَّا الدَّهْر الَّذِي هُوَ الزَّمَان فَلَا فِعْل لَهُ، بَلْ هُوَ مَخْلُوق مِنْ جُمْلَة خَلْق اللَّه تَعَالَى. وَمَعْنَى " فَإِنَّ اللَّه هُوَ الدَّهْر " أَيْ فَاعِل النَّوَازِل وَالْحَوَادِث، وَخَالِق الْكَائِنَات. وَاللَّهُ أَعْلَم. شرح النووي على مسلم - (٧ / ٤١٩)


الصفحة التالية
Icon