السورة -على اختصارها- هي من أجمع سورة القرآن للخير بحذافيره. والحمد لله الذي جعل كتابه كافيا عن كل ما سواه، شافيا من كل داء، هاديا إلى كل خير. انتهى
الثاني : قال الرازي : هذه السورة فيها وعيد شديد. وذلك لأنه تعالى حكم بالخسار على جميع الناس، إلا من كان آتيا بهذه الأشياء الأربعة. وهي : الإيمان، والعمل الصالح، التواصي بالحق، والتواصي بالصبر ؛ فدل ذلك على أن النجاة معلقة بمجموع هذه الأمور. وأنه كما يلزم المكلف تحصيل ما يخص نفسه، فكذلك يلزمه في غيره أمور : منها الدعاء إلى الدين، والنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يحب له ما يحب لنفسه ثم كرر التواصي ليتضمن الأول الدعاء إلى الله، والثاني الثبات عليه. والأول الأمر بالمعروف، والثاني النهي عن المنكر. ومنه قوله تعالى :﴿ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾ [ لقمان : ١٤٧ ]، وقال عمر : رحم الله من أهدى إليّ عيوبي.
الثالث : قال الرازي : دلت الآية على أن الحق ثقيل، وأن المحن تلازمه ؛ فلذلك قرن التواصي بالصبر.
الرابع : تخصص التواصي بالحق والصبر، من اندراجهما في الأعمال الصالحة، لإبراز كمال الاعتناء بهما.
قال الإمام : من تلك الأعمال الدعوة إلى الحق والوصية بالصبر، لكنه أراد تخصيص هذين الأمرين بالذكر، لأنهما حفاظ كل خير ورأس كل أمر. والحق هو ما تقرر من حقيقة ثابتة أو شريعة صحيحة، وهو ما أرشد إليه دليل قاطع أو عيان ومشاهدة. فشرط النجاة من الخسران أن يعرف الناس الحق ويلزموه أنفسهم، ويمكنوه من قلوبهم، ثم يحمل الناس بعضهم بعضا عليه، بأن يدعو كلٌّ صاحبه إلى الاعتقاد بالحقائق الثابتة التي لا ينازع فيها العقل ولا يختلف فيها النقل، وأن يبعدوا بأنفسهم وبغيرهم عن الأوهام والخيالات التي لا قرار للنفوس عليها ولا دليل يهدي إليها، ولا يكون ذلك إلا بإعمال الفكر وإجادة النظر في الأكوان، حتى تستطيع النفس دفع ما يرد عليها من باطل الأوهام، وهذا إطلاق للعقل من كل قيد، مع اشتراط التدقيق في النظر، لا الذهاب مع الطيش والانخداع للعادة والوهم. ومن لم يأخذ نفسه بحمل الناس على الحق الصحيح بعد أن يعرفه فهو من الخاسرين. كم ترى في الآية بالنص الصريح الذي لا يقبل التأويل.
والصبر قوة للنفس على احتمال المشقة في العمل الطيب، واحتمال المكروه من الحرمان من اللذة، إن كان في نيلها ما يخالف حقا أو ما لا تأذن به الشريعة الصحيحة التي لا اختلاف فيها. واحتمال الآلام إذا عرضت المصائب بدون جزع ولا خروج في دفعها عن حدود الحق والشرع. فشرط النجاة من الخسران أن تصبر، وأن توصي غيرك بالصبر، وتحمله على