العصيان لأن شكر نعمة اللّه تعالى : هو أن يصرف تلك النعمة إلى وجه رضاه، فإذا لم تستعمل هذه القوى في طلب مرضاة اللّه، فأنتم ما شكرتم نعمته مطلقا.
فقوله تعالى : قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ إشارة إلى أنه تعالى أعطاهم هذه القوى العظيمة، ولكنهم ضيّعوها في غير ما خلقت لأجله. وإنما خصت هذه الجوارح بالذكر لأنها أداة العلم والفهم.
ثم ذكر اللّه تعالى البرهان الثالث على كمال قدرته، فقال :« قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ » ـ جاء تلقينا لهم، وإلزاما إياهم بتلك الحقائق، سواء عقلوها أو لم يعقلوها.. فالإله الذي حدثتهم الآيات السابقة عنه، ودعتهم إلى النظر فى آياته، وإلى الإجابة على عدد من الأسئلة التي من شأن العقلاء أن يسألوها أنفسهم، وأن يتولّوا الإجابة عليها، فى سبيل التعرف على اللّه ـ هذا الإله، هو الذي جعل لهم السمع، والأبصار، والعقول.. ولكن كثيرا من الناس لا يشكرون اللّه تعالى على هذه النعم بل ولا يعترفون به ربّا، وفى هذا يقول سبحانه :« وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ » (١٣ : سبأ).
وهذا الإله، هو الذي ذرأ الناس، أي خلقهم، وأقامهم على هذه الأرض وبثّهم فيها، وهو الذي سيحشرهم إليه بعد موتهم.. والذرء : الخلق، وذرأ الشيء : كثّره وبثه. هذه حقائق، مطلوب من الرسول أن يبلغها الناس جميعا. فمن صدّق وآمن، فقد اهتدى، وسلم.. ومن أعرض وكفر، فقد ضلّ وخسر. " (١)
أي وقل لهم أيضا : إن اللّه هو خلقكم وبثكم ووزعكم في أنحاء الأرض، مع اختلاف ألسنتكم في لغاتكم، واختلاف ألوانكم وأشكالكم، ثم إليه تجمعون بعد هذا التفرق والشتات، فهو يجمعكم كما فرقكم، ويعيدكم كما بدأكم للحساب والجزاء.
وبعد أمر اللّه محمدا - ﷺ - بتخويف الكفار بعذاب اللّه، ذكر مقالة الكفار ومطالبتهم بتعيين وقت البعث استهزاء واستنكارا، فقال :« وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ