كُنْتُمْ صادِقِينَ ».. هو بيان لما انتهى إليه أمر هؤلاء المشركين، بعد هذه الوقفة الطويلة معهم، وبعد هذه المراجعة لحسابهم المغلوط، الذي اطمأنوا إليه.. إنّ كل هذا لم يزحزحهم عن موقف الضلال الذي هم فيه.. وإنهم مازالوا على تكذيبهم بالبعث، والحساب والجزاء، فيسألون هذا السؤال، الذي يدل على رفضهم لكل ما قدم إليهم من أدلة، وما عرض عليهم من آيات :« مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ؟ ».. يقولون هذا فى استهزاء وسخرية.. وكأنهم يقولون النبي، وللمؤمنين : دعونا من كل هذا الذي تخوضون فيه، وقولوا لنا : متى هذا الوعد ؟ أي متى يوم القيامة الذي تقولون عنه وتجعلونه موعدا للحساب والجزاء ؟ متى يومه ؟ إن كنتم صادقين فى هذا الزعم، فحددوا له موعدا لهذا اليوم، طال هذا الموعد أم قصر..
أمَّا إطلاق هذا اليوم ضالّا فى غياهب الغيب، فهذا دليل على أن الحديث عن هذا اليوم، هو حديث مكذوب، وقول مفترى..
إذ لو أنه كان حديثا قائما على واقع من الحق، لعلم المتحدّث به، الموعد الذي يقع فيه.. أمَّا أن يتحدث متحدث عن أمر سيقع، ثم لا يربط هذا الحديث عنه بزمن معلوم، فذلك رجم بالغيب، أشبه بأخبار الكهان والمنجّمين.. هكذا كانوا يفكّرون ويقدّرون.. (١)
أي ويقول المشركون لمحمد والمؤمنين تهكما واستهزاء : متى يقع ما تعدنا به من القيامة والحشر والعذاب والنار في الآخرة، والخسف والحاصب في الدنيا، إن كنتم يا محمد والمؤمنون به صادقين فيما تدعونه؟ فأخبرونا به، أو فبيّنوه لنا.
وقد جاءهم الرد المفحم فى قوله تعالى :« قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ».. إن الرسول لم يقل لهم يوما إنه يعلم الغيب، أو أنه إله مع اللّه، وإنما بادأهم من أول الأمر، بما أمره اللّه سبحانه أن يلقاهم به فى قوله تعالى :« قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ » (١١٠ : الكهف).. وقوله سبحانه :« إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١٠٧٧)


الصفحة التالية
Icon