في حياتهم يتطلعون إليه. ولو كان كل شيء مكشوفا لهم - وهم بهذه الفطرة - لوقف نشاطهم وأسنت حياتهم. فوراء المجهول يجرون. فيحذرون ويأملون، ويجربون ويتعلمون. ويكشفون المخبوء من طاقاتهم وطاقات الكون من حولهم ويرون آيات اللّه في أنفسهم وفي الآفاق ويبدعون في الأرض بما شاء لهم اللّه أن يبدعوا.. وتعليق قلوبهم ومشاعرهم بالساعة المجهولة الموعد، يحفظهم من الشرود، فهم لا يدرون متى تأتي الساعة، فهم من موعدها على حذر دائم وعلى استعداد دائم. ذلك لمن صحت فطرته واستقام. فأما من فسدت فطرته واتبع هواه فيغفل ويجهل، فيسقط ومصيره إلى الردى :«فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى ».. ذلك أن اتباع الهوى هو الذي ينشىء التكذيب بالساعة. فالفطرة السليمة تؤمن من نفسها بأن الحياة الدنيا لا تبلغ فيها الإنسانية كمالها، ولا يتم فيها العدل تمامه وأنه لا بد من حياة أخرى يتحقق فيها الكمال المقدر للإنسان، والعدل المطلق في الجزاء على الأعمال.." (١)
ثم وصف تعالى حال أولئك الكفار عند رؤية العذاب، فقال « فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ ». إنه يوم آت لا ريب فيه، ولكن اقتضت حكمة اللّه أن يخفى ميقاته، كما يقول سبحانه :« إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى » (١٥ : طه).. فلو كشف هذا اليوم للناس لفسد نظامهم، واضطربت حياتهم، ولو كان بينهم وبينه مئات السنين أو ألوفها، تماما كما لو عرف الإنسان اليوم الذي يموت فيه.. إنه بهذا الكشف، يموت كل يوم مئات المرات، ولو كان بينه وبين الموت عشرات السنين..
وفى الحديث عن رؤية المشركين لهذا اليوم بصيغة الماضي « رأوه »، وهم مازالوا فى هذه الدنيا، وفى إنكار، وتكذيب له ـ فى هذا إهمال لإنكارهم، وعدم اعتداد بمعتقدهم الفاسد فى أمر البعث، ثم سوقهم إليهم سوقا فى الدنيا وهم