متلبسون بهذا الإنكار، فإذا هم بين يدى ما ينكرون.. وقوله تعالى :« زلفة » أي دانيا، وقريبا منهم، بحيث يعاينونه، ويقعون تحت سلطانه.. ومنه قوله تعالى :« وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ » (٩٠ ـ الشعراء) أي دنت وقربت لهم، لتكون بين أيديهم.
وقوله تعالى :« سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا » ـ أي حلّ بها السوء، ونزل بها الكرب..
وإسناد السوء إلى الوجوه، لأنها هى التي تتجلّى على صفحتها آثار المشاعر، والأحاسيس، والأفكار التي تدور فى كيان الإنسان، من فرح أو حزن، ومن لذة أو ألم..
وفى إقامة « الذين كفروا » بدلا من ضميرهم، ليكون فى ذلك مواجهة لهم بهذا الذي يسؤوهم، وليبين السبب الذي من أجله حلت بهم المساءة.. وهو أنهم كانوا كافرين..
وقوله تعالى :« وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ » أي أنه حين يلقاهم هذا اليوم، ويقع عليهم منه ما يقع من فزع وكرب، يلقاهم من يقول لهم :
«هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ » أي هذا الذي كنتم تطلبونه، وتلحّون فى الكشف عن وجهه | فها هو ذا قد جاءكم.. فلم تنكرونه ؟ ولم تفزعون منه ؟ |
و« تدعون » معناه تطلبون، وتتمنون.. ومنه قوله تعالى عن أصحاب الجنة :« وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ » (٣١ : فصلت).
وفى تعدية الفعل تدعون بحرف الجر « الباء ».. « به تدعون » وهو متعدّ بنفسه ـ لتضمّنه معنى الفعل، « تهتفون » أو « تستعجلون ».. ونحوهما، مما يدل على شدة الرغبة للشىء، والطلب له." (١)