أي فلما رأوا العذاب الموعود به قريبا في الدنيا، وقامت القيامة وشاهدها الكفار، ورأوا أن الأمر كان قريبا لأن كل ما هو آت قريب وإن طال زمنه، اسودّت وجوههم، وعلتها الكآبة، وغشيتها الذلة والمهانة، وقالت لهم ملائكة العذاب الخزنة على وجه التقريع والتوبيخ : هذا الذي كنتم في الدنيا تطلبونه وتستعجلون به استهزاء، في قولكم لرسول اللّه - ﷺ - : فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الأحقاف ٤٦/ ٢٢].
ونظير الآية : وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ، وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا، وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ [الزمر ٣٩/ ٤٧ - ٤٨].
وفيه إشارة إلى ما ينكشف للمشركين والضالين فى هذا اليوم، مما لم يكن يقع فى حسبانهم.. ففي هذا اليوم يرون أن ما كانوا يعبدون من دون اللّه، هو ضلال فى ضلال، ويرون أعمالهم التي زينها لهم الشيطان، وجوها منكرة، تطلع عليهم بالويلات والحسرات.. وأكثر من هذا، فإنهم يرون هذا الهول الذي يلقاهم من جهنم، مما لم يقع فى خيال، أو يخطر على بال.. كما يرون أناسا كانوا يسخرون منهم ويستهزئون بهم قد لبسوا حلل النعيم، ونزلوا منازل الرحمة والرضوان، على حين يشهدون سادتهم وكبراءهم ممن كانوا ينزلونهم منازل الآلهة، وقد قطّعت لهم ثياب من نار، يصبّ من فوق رءوسهم الحميم.. يصهر به ما فى بطونهم والجلود.. ولهم مقاطع من جديد.. كلّما أرادوا أن يخرجوا منها من غمّ أعيدوا فيها... إن معارف الناس، وتصوراتهم وأخيلتهم فى هذه الدنيا، لا تكاد تلتقى مع شىء من أمور الآخرة، وإن كان المؤمنون باللّه أكثر تصورا لها، وأقرب إدراكا لمجملها..
روى أن بعض الصالحين حين حضره الموت، فزع واضطرب، فسئل فى هذا، فقال : ذكرت قول اللّه تعالى :« وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ » فما أدرى ماذا يبدو لى من اللّه وأنا مقدم عليه!.


الصفحة التالية
Icon