أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين باللّه، الجاحدين لنعمه : أخبروني عن أي فائدة أو منفعة لكم، أو راحة فيما إذا أهلكني اللّه بالإماتة أو رحمني بتأخير الأجل، أنا ومن معي من المؤمنين، فلو فرض أنه وقع بنا ذلك، فلا ينجي الكافرين أحد من عذاب اللّه، سواء أهلك اللّه تعالى رسوله - ﷺ - والمؤمنين معه، كما كان الكفار يتمنونه أو ينتظرونه، أو أمهلهم.
والمراد بالآية تنبيه الكفار وحثهم على طلب النجاة والإنقاذ بالتوبة والإنابة والرجوع إلى اللّه بالإيمان والإقرار بالتوحيد والنبوة والبعث، وإعلامهم بأنه لا ينفعهم وقوع ما يتمنون للنبي - ﷺ - والمؤمنين من العذاب والنكال، فسواء عذبهم اللّه أو رحمهم، فلا مناص لهم من نكاله وعذابه الأليم الواقع بهم.
وقال الطبري: " يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - ﷺ - : قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ : أَرَأَيْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ فَأَمَاتَنِي وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَأَخَّرَ فِي آجَالِنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابٍ مُوجِعٍ مُؤْلِمٍ، وَذَلِكَ عَذَابُ النَّارِ. يَقُولُ : لَيْسَ يُنَجِّي الْكُفَّارَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَوْتُنَا وَحَيَاتُنَا، فَلَا حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ تَسْتَعْجِلُوا قِيَامَ السَّاعَةِ، وَنُزُولَ الْعَذَابِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ نَافِعِكُمْ، بَلْ ذَلِكَ بَلَاءٌ عَلَيْكُمْ عَظِيمٌ."
الوجه الثاني - « قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ.. آمَنَّا بِهِ.. وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا.. فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ » أي إن النبي ومن معه، هم فى مقام العبودية للّه، كسائر الناس جميعا.. إن آمنوا باللّه، وأحسنوا العمل، غفر اللّه لهم، وأنزلهم منازل المكرمين.. ولهذا جاء قوله تعالى إلى النبي الكريم، بإعلان هذا الايمان باللّه فى وجه الكافرين، ليكون لهم من ذلك علم بأن النبي ليس خارجا عن هذه الدعوة التي يدعوهم إليها، وأنه عبد اللّه مؤمن به، متوكل عليه.. وتلك هى سبيل المؤمنين معه.. فهل يؤمن الكافرون باللّه ؟ وهل يأخذون الطريق الذي أخذه النبي وأصحابه ؟