أُجاجاً». مالحا لا يستساغ، ولا ينشئ حياة. فهلا يشكرون فضل اللّه الذي أجرى مشيئته بما كان؟
والمخاطبون ابتداء بهذا القرآن كان الماء النازل من السحائب، في صورته المباشرة، مادة حياتهم، وموضع احتفالهم، والحديث الذي يهز نفوسهم، وقد خلدته قصائدهم وأشعارهم.. ولم تنقص قيمة الماء بتقدم الإنسان الحضاري، بل لعلها تضاعفت. والذين يشتغلون بالعلم ويحاولون تفسير نشأة الماء الأولى أشد شعورا بقيمة هذا الحدث من سواهم. فهو مادة اهتمام للبدائي في الصحراء، وللعالم المشتغل بالأبحاث سواء." (١)
ومضات عامة
قال القاسمي :
" كان كفار مكة يَتربصون بالنبي - ﷺ - رَيبَ المنون ؛ تخلصاً من دعوته وانتشارها، فأمر أن يقول لهم ذلك. أي : أخبروني إن أماتني الله ومن معي من المؤمنين، أو رحمنا بتأجيل آجالنا وانتصارنا، فمن يجيركم من عذاب أليم قضى الله وقوعه بكم لكفركم ؟.
قال ابن كثير : أي : خلصوا أنفسكم، فإنه لا منقذ لكم من الله إلا بالتوبة والإنابة، والرجوع إلى دينه، ولا ينفعكم وقوع ما تتمنون لنا من العذاب والنكال، فسواء عذَّبنا الله أو رحمنا، فلا مناص لكم من عذابه ونكاله الواقع بكم. والمعني بالعذاب : إما الدنيوي وهو خزيهم بالانتصار عليهم، ودحور ضلالهم، أو الأخروي، وهو أشد وأبقى. " (٢)
قال الرازي : المقصود تقريرهم ببعض نعمه تعالى، ليريهم قبح ما هم عليه من الكفر. أي : أخبروني إن صار ماؤكم ذاهباً في الأرض، فمن يأتيكم بماء معين ؟ فلا بد وأن يقولوا : هو الله ؛ فيقال لهم حينئذٍ : فلم تجعلون من لا يقدر على شيء

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٦ / ٣٤٦٩)
(٢) - محاسن التأويل تفسير القاسمي - (١٣ / ٥)


الصفحة التالية
Icon