يمكن للبشر رؤيتها وضبطها كذلك. وهي الآثار التي ينشئها في حياتهم الإيمان أو عدم الإيمان، من النتائج المحسوسة المدركة.
وقد أسلفنا الإشارة إلى بعض هذه الآثار العملية الواقعية حين قلنا مرة : إن سيادة المنهج الإلهي في مجتمع معناه أن يجد كل عامل جزاءه العادل في هذا المجتمع، وأن يجد كل فرد الأمن والسكينة والاستقرار الاجتماعي - فضلا على الأمن والسكينة والاستقرار القلبي بالإيمان - ومن شأن هذا كله أن يمتع الناس متاعا حسنا في هذه الدنيا قبل أن يلقوا جزاءهم الأخير في الآخرة.. وحين قلنا مرة : إن الدينونة للّه وحده في مجتمع من شأنها أن تصون جهود الناس وطاقاتهم من أن تنفق في الطبل والزمر والنفخ والتراتيل والتسابيح والترانيم والتهاويل التي تطلق حول الأرباب المزيفة، لتخلع عليها شيئا من خصائص الألوهية حتى تخضع لها الرقاب! ومن شأن هذا أن يوفر هذه الجهود والطاقات للبناء في الأرض والعمارة والنهوض بتكاليف الخلافة فيكون الخير الوفير للناس. فضلا على الكرامة والحرية والمساواة التي يتمتع بها الناس في ظل الدينونة للّه وحده دون العباد.. (١)
وقال :"وهذه القاعدة التي يقررها القرآن في مواضع متفرقة، قاعدة صحيحة تقوم على أسبابها من وعد اللّه، ومن سنة الحياة كما أن الواقع العملي يشهد بتحققها على مدار القرون. والحديث في هذه القاعدة عن الأمم لا عن الأفراد. وما من أمة قام فيها شرع اللّه، واتجهت اتجاها حقيقيا للّه بالعمل الصالح والاستغفار المنبئ عن خشية اللّه.. ما من أمة اتقت اللّه وعبدته وأقامت شريعته، فحققت العدل والأمن للناس جميعا، إلا فاضت فيها الخيرات، ومكن اللّه لها في الأرض واستخلفها فيها بالعمران وبالصلاح سواء.
ولقد نشهد في بعض الفترات أمما لا تتقي اللّه ولا تقيم شريعته وهي - مع هذا - موسع عليها في الرزق، ممكن لها في الأرض.. ولكن هذا إنما هو الابتلاء :«وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً» ثم هو بعد ذلك رخاء مؤوف، تأكله آفات

(١) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (٤ / ١٩٠٣)


الصفحة التالية
Icon