لذلك جاءت بداية هذه السورة على خطين متوازيين عام وخاص -كما أسلفنا القول-، فهو خطاب خاص للصحابة -رضوان الله عليهم- الذين عاصروه - ﷺ -، وعام لمن سيأتي بعده من المسلمين، ولمن سيعتنق الإسلام بعد ذلك، وتلحظ أن الخطاب الخاص بمن سيأتي بعده في ثناياه الأمر بامتثال أمر غيبي لم يره، فعندما يقول الحق تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)[الحجرات: ١] يحق للمخاطب الذي لم يشاهد شخص النبي - ﷺ -، أن يقول: كيف يأمرني الله بشيء لم أشاهده ولم أعش معه في وقت واحد، وأنتم تقولون أن القرآن صالح لكل زمان ومكان ويشمل عموم المسلمين.. ؟ وهذا اعتراض له ما يسوّغه.
فإذا اتسعت دائرة فهمنا لكتاب ربنا سبحانه وتعالى، واستوعبنا شمولية الإسلام بشكلها الصحيح، لهان الفهم وسهل الاستيعاب وزال الغموض المصطنع، فنحن إخوان رسول الله - ﷺ - الذين أتينا بعده، كما عبر هو عليه الصلاة والسلام بذلك بأننا إخوانه، والذين رأوه هم أصحابه كما قال لهم عندما قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي. إذاً الصحابة عليهم مسؤوليتان، الأولى: الانخفاض والإنصات والإطراق له، والخضوع بالصوت إلى درجة الهمس، ولا ينتج هذا إلا إذا استحكم الحب والانقياد لما يقول، - ﷺ -، وهذا يسهل عملية التلقي والاستيعاب لتعاليم الإسلام، لذلك الصحابة هان عليهم الفهم، فضحوا بأرواحهم في سبيل الله من أجل إعلاء دينه، الذي اعتنقوه، وهي المسؤولية الثانية. أما الذين لم تكتحل عيونهم برؤيته - ﷺ - وهم إخوانه- فعليهم مسؤولية خطيرة منقسمة بوحدتها إلى قسمين، القسم الأول: الحب، الذي يجب أن يملأ جنبات القلب بكل ما تعنيه هذه المفردة من المعنى اللغوي والشرعي، لشخصه عليه الصلاة والسلام، والقسم الثاني: الانقياد والاستجابة والاتّباع (١)