فمن كفر باللّه وحاد عن طريقه، فليس ذلك عن علّة، إلا العناد، واتباع الهوى، والانقياد للشيطان.. فإذا أخذ الكافر بكفره، فذلك هو الحكم الذي حكم به الكافر على نفسه، ورضيه لها. فلا عذر لمعتذر، ولا حجة لكافر.
وقوله تعالى :« وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً » هو بيان للصفة الإلهية المتجلية على العباد فى هذا المقام. فهو سبحانه وتعالى عزيز، يخضع لعزته كل موجود.. ولو شاء لأخذ الناس بغير حجّة عليهم، ولعذبهم من غير أن يبعث فيهم رسله مبشرين ومنذرين ـ إذ ليس لأحد أن يراجع اللّه، ولا أن يعترض على ما يريد.. ولكنه ـ سبحانه ـ مع هذه العزة المتمكنة الغالبة « حكيم » لا يفعل إلا ما تقضى به حكمته، فى إشراقها وعدلها. (١)
وللّه الحجة البالغة في الأنفس والآفاق وقد أعطى اللّه البشر من العقل ما يتدبرون به دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق. ولكنه - سبحانه - رحمة منه بعباده، وتقديرا لغلبة الشهوات على تلك الأداة العظيمة التي أعطاها لهم - أداة العقل - اقتضت رحمته وحكمته أن يرسل إليهم الرسل «مبشرين ومنذرين» يذكرونهم ويبصرونهم ويحاولون استنقاذ فطرتهم وتحرير عقولهم من ركام الشهوات، التي تحجب عنها أو تحجبها عن دلائل الهدى وموحيات الإيمان في الأنفس والآفاق.
«وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً».. عزيزا : قادرا على أخذ العباد بما كسبوا. حكيما : يدبر الأمر كله بالحكمة ويضع كل أمر في نصابه.. والقدرة والحكمة لهما عملهما فيما قدره اللّه في هذا الأمر وارتضاه..
«لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ» أمام حشد من الإيحاءات اللطيفة العميقة ونختار منه ثلاثا على سبيل الاختصار الذي لا يخرج بنا من الظلال.
نقف منها :