التصديق والطاعة والتنفيذ.. فهي لا تكلف الإنسان العمل بها سواء فهمها أم لم يفهمها.
وهي كذلك لا تبيح له مناقشة مقرراتها متى أدرك هذه المقررات، وفق مفهوم نصوصها.. مناقشتها ليقبلها أو يرفضها. ليحكم بصحتها أو خطئها.. وقد علم أنها جاءته من عند اللّه. الذي لا يقص إلا الحق، ولا يأمر إلا بالخير.
والمنهج الصحيح في التلقي عن اللّه، هو ألا يواجه العقل مقررات الدين الصحيحة - بعد أن يدرك المقصود بها - بمقررات له سابقة عليها كونها لنفسه من مقولاته «المنطقية»! أو من ملاحظاته المحدودة أو من تجاربه الناقصة.. إنما المنهج الصحيح أن يتلقى النصوص الصحيحة، ويكون منها مقرراته هو! فهي أصح من مقرراته الذاتية ومنهجها أقوم من منهجه الذاتي - قبل أن يضبط بموازين النظر الدينية الصحيحة - ومن ثم لا يحاكم العقل مقررات الدين - متى صح عنده أنها من اللّه - إلى أية مقررات أخرى من صنعه الخاص!.. إن العقل ليس إلها، ليحاكم بمقرراته الخاصة مقررات اللّه..
إن له أن يعارض مفهوما عقليا بشريا للنص بمفهوم عقلي بشري آخر له.. هذا مجاله، ولا حرج عليه في هذا ولا حجر ما دام هنالك من الأصول الصحيحة مجال للتأول والأفهام المتعددة. وحرية النظر - على أصوله الصحيحة وبالضوابط التي يقررها الدين نفسه - مكفولة للعقول البشرية في هذا المجال الواسع. وليس هنالك من هيئة، ولا سلطة، ولا شخص، يملك الحجر على العقول، في إدراك المقصود بالنص الصحيح وأوجه تطبيقه - متى كان قابلا لأوجه الرأي المتعددة، ومتى كان النظر في حدود الضوابط الصحيحة والمنهج الصحيح، المأخوذ من مقررات الدين - وهذا كذلك معنى أن هذه الرسالة تخاطب العقل..
إن الإسلام دين العقل.. نعم.. بمعنى أنه يخاطب العقل بقضاياه ومقرراته ولا يقهره يخارقة مادية لا مجال له فيها إلا الإذعان. ويخاطب العقل بمعنى أنه يصحح له منهج النظر ويدعوه إلى تدبر دلائل الهدى وموحيات الإيمان في الأنفس والآفاق