صورتا هذا المعنى في النفس والذهن. وبذلك تربط المعاني وطرق الأداء ربطا لا يجوز الحديث بعده عن المعاني والألفاظ. كل على انفراد. فلن يبرز المعنى الواحد إلا في صورة واحدة ؛ فإذا تغيرت الصورة تغير المعنى بمقدارها. وقد لا يتأثر المعنى الذهني العام في ذاته، ولكن صورته في النفس والذهن تتغير، وهي المعول عليها في الفن - إذ التعبير في الفن للتأثير - فإذا اختلف الأثر الناشئ عنه، فالمعنى المنقول مختلف بلا مراء !
وننتهي من هذا البيان، إلى فضل الطريقة التصويرية في القرآن، فهذه الطريقة هي التي جعلت للمعاني والأغراض والموضوعات القرآنية، صورتها التي نراها، ومن هذه الصورة كانت قيمتها الكبرى، فهي في هذه الصورة غيرها في أية صورة أخرى، كما أسلفنا.
ونحب أن نزيد المسألة إيضاحا بالنماذج، وإن كانت قد تفرقت في ثنايا الكتاب، وتفرق التعليق عليها في مواضعها بما يفيد مزية الطريقة القرآنية فيها ؛ ولكننا هنا في معرض التلخيص الأخير، ولدينا من النماذج الكثير.
لقد كانت السمة الأولى للتعبير القرآني هي اتباع طريقة تصوير المعاني الذهنية والحالات النفسية، وإبرازها في صور حسية، والسير على طريقة تصوير المشاهد الطبيعية، والحوادث الماضية، والقصص المروية، والأمثال القصصية، ومشاهد القيامة، وصور النعيم والعذاب، والنماذج الإنسانية.. كأنها كلها حاضرة شاخصة. بالتخييل الحسي الذي يفعمها بالحركة المتخيلة.
فما فضل هذه الطريقة على الطريقة الأخرى، التي تنقل المعاني والحالات النفسية في صورتها الذهنية التجريدية ؛ وتنقل الحوادث والقصص أخيارا مروية ؛ وتعبر عن المشاهد والمناظر تعبيرا لفظيا، لا تصويرا تخييليا ؟
يكفي لبيان هذا الفضل، أن نتصور هذه المعاني كلها في صورتها التجريدية، وأن نتصورها بعد ذلك في الهيئة الأخرى التشخيصية :