أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ".
ففي خذت الاستعراض يتجسم للخيال مشهد من ثلاث فرق :
الضعفاء. الذين كانوا ذيولا للأقوياء وهم ما يزالون في ضعفهم، وقصر عقولهم، وخور نفوسهم. يلجأون إلى الذين استكبروا في الدنيا، يسألونهم الخلاص من هذا الموقف، ويعتبون عليهم إغواءهم في الحياة ؛ متمشين في هذا مع طبيعتهم الهزيلة وضعفهم المعروف.
والذين استكبروا. وقد ذلت كبرياؤهم، وواجهوا مصيرهم. وهم ضيقو الصدور بهؤلاء الضعفاء، الذين لا يكفيهم ما يرونهم فيه من ذلة وعذاب، فيسألونهم الخلاص، وهم لا يملكون لذات أنفسهم خلاصا، أو يذكرونهم بجريمة إغوائهم لهم حيث لا تنفع الذكرى. فما يزيدون على أن يقولوا لهم في سأم وضيق :" لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ".
والشيطان. بكل ما في شخصيته من مراوغة ومغالطة، واستهتار وتبجح. ومكر " وشيطنة ". يعترف لأتباعه - الآن فقط - بأن الله وعدهم وعد الحق، وأنه هو وعدهم فأخلفهم. ثم يمضهم ويؤلمهم، وهو ينفض يديه من تبعاتهم :" وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم ". لا بل يزيد في تبجحه، فيقول :" إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ". حقا. إنه لشيطان !
وإن هذا لإبداع في تصوير الموقف الفريد، الذي يتخلى فيه التابع عن المتبوع، ويتنكر المتبوع للتابع. حيث لا يجدي أحدا منهم أن يتخلى أو يستمسك ؛ ولكنها طبيعة كل فريق، تبرز عارية أمام الهول العظيم.
وإن الشيطان هنا لمنطقي مع نفسه، ومع الصورة التي يرسمها القرآن له. وإلا فما يكون شيطانا بغير هذه التلاعب والتبجح والإنكار !


الصفحة التالية
Icon