مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ".
" أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ. يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ".
إن هنا حشدا من الصور المتتابعة في شريط متحرك : هؤلاء هم قد أوقدوا النار فأضاءت. وفجأة يذهب الله بنورهم، ويخيم حولهم الظلام.. أو ها هي ذي العاصفة :" َصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ " وهؤلاء هم مذعورون يتوقعون الصاعقة، ويخافون الموت، فيجعلون أصابعهم في آذانهم ؛ وما تغني الأصابع في الآذان ؛ ولكنها حركة الغريزة في هذا الأوان. وها هو ذا البرق يخطف البصر، ولكنه ينير الطريق لحظة، فهم يخطون على ضوئه خطوة. وها هو ذا ينقطع فيظلون واقفين، لا يدرون كيف يخطون....
لو سجلت عدسة الصور المتحركة مشهدا كهذا، بما فيه من الحركة والتتابع، لكانت موفقة كل التوفيق. فكيف والمنظر هنا تسجله الألفاظ، فلا تنقص منه حركة واحدة تستطيع عدسة الصور المتحركة إثباتها ؟ لا بل تتيح للنفس متعة أشهى، بأن تدع للخيال عملا ؛ وهو يرسم الصور ويمحوها ؛ ويصنع الحركات ويتبعها ؛ ويرسم الظلال ويشهدها. والنفس تجيش، والوجدان ينفعل، والقلب يسرع في النبضات، تحت تأثير ماذا ؟ تحت تأثير الكلمات !
ومن تمام القول في طريقة القرآن التصويرية أن نجمل هنا ما تفرق في مواضع مختلفة في الكتاب عن الحياة التي يبثها التعبير في التصوير، فهي سمة بارزة فيه، تحدد نوع التصوير ومستواه.
إن المعاني الذهنية والحالات المعنوية، لم تستبدل بها صور فحسب ؛ ولكن اختيرت لها صور حية، وقيست بمقاييس حية. ومرت من خلال وسط حي.