فهول الساعة العظيم يصور في ذهول المرضعات عما أرضعن، وتخلي الحاملات عن حملهن، وترنح السكارى وما هم بسكارى ؛ ويقاس بمدى فعل الهول في هذه النفوس الآدمية، لا بالألفاظ والأوصاف التجريدية.
أو يصور في فرار المرء من أخيه وأمه وأبيه، وفصيلته التي تؤويه. حيث يكون " لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ". فهو يقاس بأثره في النفس الإنسانية لا بالمقاييس الأخرى الوصفية.
فإذا اشتركت الجوامد في تصوير هذا الهول خلعت عليها الحياة أو أشرك معها الأحياء :" يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً " فهي حية ترتجف كالآدميين. أو " فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً. السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ... ". فالسماء المنفطرة بجوارها الأطفال الشيب... وهول الطوفان يصور في الطبيعة، وإلى جانبها يصور في والد وولده : ذلك ناج في السفينة ملهوف على فلذة كبده، وهذا يجرفه الطوفان حيث :" لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ ". وإن الهول هنا ليكاد يكون أعظم من الهول في الطبيعة :"وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ". فما كان الموج في المشهد إلا إطارا للهول النفسي الذي يفرق بين الابن وأبيه، ويفصم الصلة التي لا تفصمها الأهوال !
وآلام العذاب الشديد في الآخرة، تبدو من خلال صرخات إنسانية، تلقي ظلها من خلال التعبير :" وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ ". " وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ".
ووخزات الخزي في هذا اليوم، لا توصف بالألفاظ، ولكن تبرز من وسط آدمي حي :" وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ".
وصرخات الندم يهتف بها لسان إنسان، يندم بعد فوات الأوان :" وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً﴿٢٧﴾ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً... ".