وتسرب الإيمان نراه من خلال نفس بشرية في قصة إبراهيم :" فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ".
والحض على الجهاد يأتي في تصوير موقف المؤمنين والكافرين :" وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ... ".
وهو تصوير يفرق بين حقيقة الموقفين تفرقة حاسمة في بضع كلمات، ويقيس الفوارق بنفوس الفريقين وما ينتظرهما من مآل.
ولا نعود إلى استعراض ما استعرضنا من الصور في شتى الفصول ؛ فحسبنا هذا القدر لبيان نوع التصوير القرآني، وتوضيح معنى الحياة في هذا التصوير. الحياة التي تنقل الأثر من الحس إلى أعماق النفس، لأنها تنتقل من كائن حي، إلى كائن حي، في وسط حي، فتتغلغل في أعماق الضمير من خلال التعبير والتصوير.
وسمة ثالثة في تعبير القرآن :
إن هذه الريشة المبدعة ما مست جامدا إلا نبض بالحياة، ولا عرضت مألوفا إلا بدا جديدا. وتلك قدرة قادرة، ومعجزة ساحرة، كسائر معجزات الحياة !
الصبح مشهد مألوف مكرور، ولكنه في تعبير القرآن حي لم تشهده من قبل عينان. إنه " الصبح إذا تنفس ".
والليل آنٌ من الزمان معهود، ولكنه في تعبير القرآن حي جديد " والليل إذا يسر ". وهو يطلب النهار في سباق جبار " يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا ".
والظل ظاهرة تشهد وتعرف، ولكنه في تعبير القرآن نفس تحس وتتصرف :" وظل من يحموم لا بارد ولا كريم ".
والجدار بنية جامدة كالجلمود، ولكنه في تعبير القرآن يحس ويريد :" فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه ! ".
والطير بنية حية ولكنها مألوفة لا تلفت الإنسان. أما في تعبير القرآن فمشهد رائع يثير الجنان :" أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ.... ".