الرائي أ ترى فيها شقا أو عيبا ؟ ثم أعد النظر وحدّق بالبصر، لتستيقن تمام تناسبها واستواء خلقها، وقد زيّنا أقرب السموات إليكم بكواكب يهتدى بها الساري، ويعلم بها عدد السنين والحساب، وعليها تتوقف حياة الحيوان والنبات، وهى أيضا سبب الأرزاق المهيجة لشهوات شياطين الإنس والجن، وهؤلاء قد استمدوا شيطنتهم من مظاهر الطبيعة بوساطة الحرارة والضوء من الكواكب، وبذا أعد لهم عذاب السعير جزاء ما اقترفوا فى حياتهم الدنيا. (١)
تعالى اللّه وتعاظم - جل شأنه - عما سواه ذاتا وصفة وفعلا وتكاثر خيره وبره على جميع خلقه، فهو صاحب التصرف التام في الموجودات (٢) على مقتضى إرادته ومشيئته بلا منازع، وهو على كل شيء قدير وهو الحكيم الخبير، ولفظ « تبارك » يدل على غاية الكمال ونهاية التعظيم والإجلال، ولذا لا يجوز استعماله في حق غيره سبحانه وتعالى...
وقد شرع القرآن في تفصيل بعض أحكام الملك وآثار القدرة، وبيان أن لهما حكما وغايات جليلة كلها تعود على الإنسان بالخير العميم.
وهو الذي خلق الموت والحياة، وقدرهما على كل كائن في الوجود، وراعي ترتيبهما الوجودي فقدم الموت على الحياة. ولعل في ذكر الموت مقدما عظة وعبرة لمن يعتبر، قدرهما ليعاملكم (٣) معاملة من يختبر أمركم فيعرف خيركم وشركم، ويعلم أيكم أحسن عملا! وأكثر إخلاصا، وأبعد عن محارم اللّه، وأسرع في طاعة اللّه، وكان المفروض أن يكون عمل الإنسان دائرا بين الحسن والأحسن لا بين الخير والشر، وقد خلق اللّه الموت والحياة ليبلوكم وليختبركم، فالحياة محل الاختبار والتكاليف، والموت محل الجزاء والثواب الذي هو نهاية الاختبار، وهو العزيز الذي لا يعجزه عقاب من أساء، الغفور لمن شاء أو لمن تاب.
(٢) - - وعلى ذلك يكون قوله « بيده الملك » استعارة تمثيلية، أى : لفظ اليد مجاز وليس على حقيقته. ويرى السلف أن اليد على حقيقتها واللّه أعلم بها.
(٣) - - في قوله (ليبلوكم) استعارة تمثيلية حيث شبه معاملة المولى جل شأنه لعباده بالابتلاء والاختبار.