وكلمة تَبارَكَ تعالى وتعاظم، وهي تدل على غاية الكمال ومنتهى التعظيم والإجلال، ولذا لا يجوز استعمالها في حق غير اللّه تعالى.
تدلُّ الآية على أمور ثلاثة : أن اللّه تعالى وتعاظم عن كل ما سواه من المخلوقات، وأنه المالك المتصرف في السموات والأرض في الدنيا والآخرة، وهو صاحب القدرة التامة والسلطان المطلق على كل شيء.
ومن مظاهر قدرته وعلمه قوله سبحانه :
١ - « الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ».. أي إنه تعالى موجد الموت والحياة ومقدرهما من الأزل، وهو الذي جعلهم عقلاء ليدركوا معاني التكليف ويقوموا به، وليعاملهم معاملة المختبر لأعمالهم، فيجازيهم على ذلك، وليعرّفهم أيهم أطوع وأخلص للّه وخير عملا، وهو القوي الغالب القاهر الذي لا يغلبه ولا يعجزه أحد، الكثير المغفرة والستر لذنوب من تاب وأناب بعد ما عصاه وخالفه، فهو سبحانه مع كونه عزيزا منيعا يغفر ويرحم، ويعفو ويصفح، كما في آية أخرى : نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ [الحجر ١٥/ ٤٩ - ٥٠].
والآية دليل على أن الموت أمرٌ وجوديٌّ، لأنه مخلوق. والموت : انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقتها له، والحياة : تعلق الروح بالبدن واتصالها به، وإيجاد الحياة معناه : خلق الروح في الكائنات الحية، ومنها إيجاد الإنسان.
والمقصد الأصلي من الابتلاء : هو ظهور كمال إحسان المحسنين.
وقدم الموت على الحياة في الآية لأنه أقوى داعيا إلى العمل.
" وفي هذا تنبيه لهؤلاء الغافلين عن الحياة الآخرة، وذلك إذا نظروا فرأوا أن هناك عمليتين تجريان عليهما، وهما الموت والحياة.. فهاتان صورتان تتداولان الإنسان، كما تتداولان عالم الأحياء كله.. فالكائن الحىّ، كان ميتا، أي عدما، ثم أخرجته قدرة اللّه سبحانه إلى الحياة، ثم تعيده تلك القدرة إلى الموت مرة أخرى.. ثم تردّه إلى الحياة للحساب والجزاء.


الصفحة التالية
Icon