« وجعلناها » يعود إلى السماء. أي وجعلنا من عالمها رجوما للشياطين.. ويجوز أن يعود الضمير إلى المصابيح، وفى هذا يقول سبحانه :« إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ » (٦ ـ ١٠ الصافات).
وفى هذا إشارة إلى أن للعقل حدودا، ينبغى أن يقف عندها فإن تجاوز حدوده، رمى بشهب من الشكوك، فاحترق بنارها، كما يحترق الشيطان الذي يصعّد فى السماء، ويجاوز الحدود التي تحتملها طاقته.. وليس فى هذا حجر على العقل فى الانطلاق إلى أبعد مدى، ولكن ليكن على حذر من أن يضلّ، ويتوه، أو يغرق فى عباب هذا المحيط العظيم."
أي ولقد زيّنا أقرب السموات إلى الناس بكواكب ثوابت وسيارات، فصارت في أحسن خلق وأبهج شكل، وسميت الكواكب مصابيح لأنها تضيء كإضاءة السراج، وجعلنا تلك الكواكب بما ينقضّ منها من الشهب أو من دونها راجمات يرجم بها الشياطين، " قوله تعالى :« وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ » ـ هو وعيد للشياطين، وأنه إذا لم يرجم بعضهم بتلك الرجوم القاتلة فى الدنيا، فإنهم جميعا على موعد مع عذاب السعير، الذي أعده اللّه سبحانه وتعالى لهم، فى الآخرة.
فقوله تعالى :« وَأَعْتَدْنا لَهُمْ » ـ إشارة إلى أن هذا العذاب حاضر معدّ لهم منذ الأزل.. ومنه قوله تعالى :« هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ » (٢٣ : ق) أي حاضر.."
أي وأعددنا للشياطين في الآخرة بعد الإحراق في الدنيا بالشهب عذاب النار المستعرة الموقدة بسبب فسادهم وإفسادهم.
ورجم الشياطين يعدّ فائدة أخرى للكواكب، غير كونها زينة للسماء الدنيا، كما قال تعالى : وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ [النحل ١٦/ ١٦].
عَنْ قَتَادَةَ، وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلَاثِ خِصَالٍ : خَلَقَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ الدُّنْيَا،


الصفحة التالية
Icon