وقوع المعلوم، فإنه ليس إلا علم الله الكامن في الغيب، الظاهر بظهور المعلوم ؛ لأن الحياة هي التي يتمكن بها على الأعمال، والموت هو الداعي إلى حسن العمل الباعث عليه، وبه يظهر آثار الأعمال، كما أن الحياة يظهر بها أصولها، وبها تتفاضل النفوس في الدرجات، وتتفاوت في الهلاك والنجاة. وقدم الموت على الحياة ؛ لأن الموت في علم الملك ذاتيّ، والحياة عرضية. وقيل : إن أريد به العدم السابق فتقدمه ظاهر، لسبقه على الوجود، أو العدم اللاحق فتقديمه لأن فيه عظة وتذكرة، وردعاً عن ارتكاب المعاصي. (١)
وللإمام ابن حزم رحمه الله كلام في هذه الآية في كتاب " الفِصَل " ساقه في مباحثه مع المعتزلة، نأثره هنا لنفاثته، قال رحمه الله : التفاوت المعهود هو ما نافر النفوس، أو خرج عن المعهود، فنحن نسمي الصورة المضطربة بأن فيها تفاوتاً، فليس هذا التفاوت الذي نفاه الله تعالى عن خلقه، فإذن ليس هو الذي يسميه الناس : تفاوتاً، فلم يبق إلا أن التفاوت الذي نفاه الله تعالى عما خلق هو شيء غير موجود فيه البتة ؛ لأنه لو وجد في خلق الله تعالى تفاوت، لكذب قول الله تعالى :﴿ مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ ﴾ ولا يكذِّب الله تعالى إلا كافر، فبطل ظن المعتزلة أن الكفر والظلم والكذب والجور تفاوت، لأن كل ذلك موجود في خلق الله عز وجل، مرئي فيه، مشاهد بالعيان فيه، فبطل احتجاجهم.
فإن قال قائل : فما هذا التفاوت الذي أخبر الله عز وجل أنه لا يرى في خلقه ؟
قيل لهم : هو اسم لا يقع على مسمى موجود في العالم أصلاً، بل هو معدوم جملة، إذ لو كان شيئاً موجوداً في العالم، لوجد التفاوت في خلق الله تعالى. والله تعالى قد أكذب هذا وأخبر أنه لا يُرى في خلقه.
ثم نقول، وبالله تعالى التوفيق : إن العالم كله ما دون الله تعالى، وهو كله مخلوق لله تعالى، أجسامه وأعراضه كلها، لا نحاشي شيئاً منها. ثم إذا نظر الناظر في تقسيم أنواع أعراضه، وأنواع أجسامه، جرت القسمة جرياً مستوياً في تفضيل