والقرآن يوجه النفس إلى جمال السماء، وإلى جمال الكون كله، لأن إدراك جمال الوجود هو أقرب وأصدق وسيلة لإدراك جمال خالق الوجود. وهذا الإدراك هو الذي يرفع الإنسان إلى أعلى أفق يمكن أن يبلغه، لأنه حينئذ يصل إلى النقطة التي يتهيأ فيها للحياة الخالدة، في عالم طليق جميل، بريء من شوائب العالم الأرضي والحياة الأرضية. وإن أسعد لحظات القلب البشري لهي اللحظات التي يتقبل فيها جمال الإبداع الإلهي في الكون. ذلك أنها هي اللحظات التي تهيئه وتمهد له ليتصل بالجمال الإلهي ذاته ويتملاه.
ويذكر النص القرآني هنا أن هذه المصابيح التي زين اللّه السماء الدنيا بها هي كذلك ذات وظيفة أخرى :«وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ»..
وقد جرينا في هذه الظلال على قاعدة ألا نتزيد بشيء في أمر الغيبيات التي يقص اللّه علينا طرفا من خبرهاو أن نقف عند حدود النص القرآني لا نتعداه. وهو كاف بذاته لإثبات ما يعرض له من أمور.
فنحن نؤمن أن هناك خلقا اسمهم الشياطين، وردت بعض صفاتهم في القرآن، وسبقت الإشارة إليها في هذه الظلال، ولا نزيد عليها شيئا ونحن نؤمن أن اللّه جعل من هذه المصابيح التي تزين السماء الدنيا رجوما للشياطين، في صورة شهب كما جاء في سورة أخرى :«وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ»... «إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ».. كيف؟ من أي حجم؟ في أية صورة؟ كل ذلك لم يقل لنا اللّه عنه شيئا، وليس لنا مصدر آخر يجوز استفتاؤه في مثل هذا الشأن. فلنعلم هذا وحده ولنؤمن بوقوعه. وهذا هو المقصود. ولو علم اللّه أن هناك خيرا في الزيادة أو الإيضاح أو التفصيل لفصل سبحانه. فما لنا نحن نحاول ما لم يعلم اللّه أن فيه خيرا؟ : في مثل هذا الأمر. أمر رجم الشياطين؟! ثم يستطرد فيما أعده اللّه للشياطين غير الرجوم :«وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ»..
فالرجوم في الدنيا وعذاب السعير في الآخرة لأولئك الشياطين. ولعل مناسبة ذكر هذا، الذي أعده اللّه للشياطين في الدنيا والآخرة هي ذكر السماء أولا، ثم ما