وفي قوله :« تكاد تميز من الغيظ » استعارة مكنية تبعية، شبّه جهنم بالمغتاظة عليهم لشدة غليانها بهم وحذف المشبه به وأبقى شيئا من لوازمه لأن المغتاظة تتميز وتتقصف غضبا ويكاد ينفصل بعضها عن بعض لشدة اضطرابها ويقولون فلان يتميز غيظا إذا وصفوه بالإفراط في الغضب. وفي هذه الآية أيضا فن حسن الاتباع فقد جرى الشعراء على نهجها فولعوا بإسناد أفعال من يعقل إلى ما لا يعقل.. (١)
ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ إطناب بتكرار الجملة مرتين لزيادة التنبيه.
المناسبة :
بعد أن بيّن اللّه تعالى ما أعد للشياطين من عذاب السعير في الآخرة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا، عمم الوعيد، وأوضح أن هذا العذاب معدّ أيضا لكل كافر جاحد بربه، ثم ذكر أوصاف النار وأهوالها الشديدة.
المعنى العام :
بعد أن ذكر سبحانه أن شياطين الإنس والجن قد أعدّ لهم عذاب السعير، أردف ذلك ببيان أن هذه النار قد أعدها لكل جاحد بوحدانيته، مكذب برسله، منكر للبعث واليوم الآخر، ثم وصف هذه النار بأوصاف تشيب من هولها الولدان، وتصطك لسماعها الأسنان، منها :
(١) أنه يسمع لها شهيق حين يلقى الكافرون فيها.
(٢) أنها تفوز بهم كما يفور ما فى المرجل حين يغلى.
(٣) أنها تكون شديدة الغيظ والحنق على من فيها.
(٤) أن خزنتها يسألون داخليها : ألم تأتكم الرسل فتبعدكم عن هذا العذاب ؟
(٥) أن أهلها يعترفون بأن اللّه ما عذبهم ظلما، بل قد جاءهم الرسل فكذبوهم وقالوا لهم : أنتم فى ضلال بعيد.

(١) - انظر إعراب القرآن وبيانه ـ موافقا للمطبوع - (١٠ / ١٥٠)


الصفحة التالية
Icon