وما أنتم أيها الرسل إلا في ذهاب عن الحق، وبعد عن الصواب. فهذا على الأظهر من جملة قول الكفار وخطابهم للمنذرين. ونظير الآية قوله تعالى : حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها، وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها : أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ، يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ، وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا؟ قالُوا : بَلى، وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ [الزمر ٣٩/ ٧١].
وهذا دليل على عدل اللّه في خلقه وأنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، وإرسال الرسول إليه، كما قال تعالى : وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء ١٧/ ١٥].
٢ - قوله تعالى :«وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ ».. هذا من حديث النفس لأصحاب النار، حيث يرجعون بالملامة على أنفسهم، ويتهمون أنفسهم بأنهم كانوا فى غفلة من أمرهم، وأنهم لم يكونوا أصحاب سمع أو عقل، إذ لو كانوا أصحاب سمع وعقل ما كذبوا رسل اللّه، ولما وردوا هذا المورد الوبيل.. وقدّم السمع على العقل، لأنهم إنما أدينوا فى الآخرة من جهة سمعهم، وما جاءهم عن طريقه من آيات اللّه، على لسان رسله.. فلم يحسنوا الاستماع إلى ما أنذرهم به الرسل، ولم يقبلوا ما دعوا إليه من الإيمان باللّه واليوم الآخر، ولم يعرضوا ما سمعوا على عقولهم.
ثم إنهم إذ لم يأخذوا بهذا البلاغ السمعي، ولم يكن لهم من عقولهم بلاغ عقلىّ، يقيم لهم طريقا إلى الإيمان باللّه، ويدعوهم إليه فقد ضلّوا، وهلكوا.."
أي إننا نلوم أنفسنا ونندم على ما فعلنا، فلو كنا نسمع ما أنزل اللّه من الحق سماع من يعي، وسماع هداية، أو نعقل عقل من يميز وينظر وينتفع، وعقل هداية، ما كنا من أهل النار، وما كنا عليه من الكفر باللّه والضلال، ولكن لم يكن لنا فهم نعي به ما جاءت به الرسل، ولا كان لنا عقل يرشدنا إلى اتباعهم، والإيمان بما أنزل اللّه تعالى، والاستماع إلى الرسول - ﷺ -، وقدم السمع على العقل والتفهم لأن المدعو إلى شيء يسمع كلام الداعية أولا ثم يتفكر فيه.


الصفحة التالية
Icon