فكل شيء روحه مؤمنة، وكل شيء يسبح بحمد ربه، وكل شيء فيه هذا الخير، وفيه هذه الوشيجة التي تشده إلى محور الوجود.. ما عدا هذه النفوس الشاردة المفلتة من أواصر الوجود، الآبدة الشريرة، الجاسية الممسوخة النفور. فأي مكان في الوجود كله تنتهي إليه، وهي مبتوتة الصلة بكل شيء في الوجود؟ إنها تنتهي إلى جهنم المتغيظة المتلمظة، الحارقة، المهدرة لكل معنى ولكل حق ولكل كرامة بعد أن لم يعد لتلك النفوس معنى ولا حق ولا كرامة! والمألوف في سياق القرآن أن يعرض صفحتين متقابلتين في مشاهد القيامة. فهو يعرض هنا صفحة المؤمنين في مقابل صفحة الكافرين. " (١)
ما يستفاد من الآيات
دلت الآيات على ما يأتي :
١- تقرير عقيدة البعث والجزاء ببيان ما يجري فيها من عذاب وعقاب.
٢- بيان أن تكذيب الرسل كفر موجب للعذاب، وتكذيب العلماء كتكذيب الرسل بعدهم أي في وجوب العذاب المترتب على ترك طاعة الله ورسوله.
٣- بيان أن ما يقوله أهل النار في اعترافهم هو ما يقوله الملاحدة اليوم في ردهم على العلماء بأن التدّين تأخر عقلي ونظر رجعي.
٤- تقرير أن الكافر اليوم لا يسمع ولا يعقل أي سماعاً ينفعه وعقلاً عن المهالك باعتراف أهل النار إذ قالوا ﴿ لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ﴾. (٢)
٥ - للكافرين الجاحدين وجود اللّه ووحدانيته، المكذبين رسله عذاب جهنم في الآخرة، وبئس المرجع والمنقلب. وظاهر الآية يقتضي القطع بأن الفاسق المصرّ لا يبقى في النار.
٦ - للنار أوصاف أربعة مرعبة رهيبة : هي سماع شهيق أي صوت منكر لها، والفوران فهي تغلي بالكفار غليان المرجل، والغضب فهي تكاد تتقطع وينفصل
(٢) - أيسر التفاسير للجزائري - (٤ / ٢٨٧)