وفتتوا الذرات واستنبتوا النباتات، واكتشفوا أسرار الكائنات، وغاصوا في أعماق البحار وطاروا في أجواء الفضاء، أليس اللّه قد لطف بعباده حيث مكنهم من كل ذلك ؟ جعل الأرض ذلولا، وإذا كان كذلك فامشوا في مناكبها ونواحيها، وجوانبها وأطرافها، وآكامها وسهلها وحزنها. (١)
التفسير والبيان :
قوله تعالى :«إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ».. هو بيان للطرف المقابل للذين كفروا بربهم، والذين عرضتهم الآيات السابقة وعرضت أحوالهم، وما يلقون من هوان وعذاب يوم القيامة.. وكما أن فى الآخرة عذابا، فإن فيها رحمة ورضوانا، كما يقول سبحانه :« وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ » (٢٠ : الحديد)..
وإذا كان للذين كفروا بربهم، عذاب جهنم وبئس المصير، فإن للذين آمنوا، مغفرة وأجرا عظيما.. والذين يخشون ربهم بالغيب، هم الذين خافوا عذاب يوم القيامة، وخافوا لقاء ربهم، قبل هذا اليوم الغائب عنهم.. ثم إنهم هم الذين يخشون ربهم فى سرهم، كما يخشونه فى علانيتهم، حيث يشهدون سلطان اللّه قائما عليهم فى كل حال من أحوالهم. فهم لشهودهم هذا السلطان، لا يعصون اللّه، ولا يفعلون ما لا يرضاه، وهم لهذا مجزبّون من اللّه تعالى، بمغفرة ذنوبهم التي تقع منهم، وهم على خشية من اللّه، كما يقول سبحانه :« وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ » (٦٠ : المؤمنون)..
وإلى جانب غفران ذنوبهم يكون مضاعفة أجرهم لما يعملون من حسنات.. « لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ».."
وفي التفسير المنير :" أي إن الذين يخافون عذاب ربهم ولم يروه، فيؤمنون به خوفا من عذابه، ويخافون اللّه في السر والعلن، فيخشون ربهم إذا كانوا غائبين

(١) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٧١٥)


الصفحة التالية
Icon