جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ » (١٠ : الرعد).. فمن ترك المعاصي جهرا، ولم يتركها سرّا، فهو إنما يفعل ذلك خوفا من الناس، لا من خشية اللّه، وفى ذلك استخفاف بجلال اللّه، وسوء أدب مع اللّه.."
أي سواء أخفيتم كلامكم أو جهرتم به، فاللّه عليم به، يعلم بما يخطر في القلوب وما تكنّه الضمائر، لا يخفى عليه منه خافية، والمراد أن قولكم وعملكم على أي سبيل وجد، فاللّه عليم به، فاحذروا من المعاصي سرا كما تحترزون عنها جهرا، فإن ذلك لا يتفاوت بالنسبة إلى علم اللّه تعالى. وقدّم السر على الجهر لأنه مقدم عليه عادة، فما من أمر إلا وهو يبدأ أولا في النفس ثم يجهر به، وللتحذير من التكتم والسر الذي قد يظن عدم العلم به. وقوله : إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ كالعلّة لما قبله.
والآية خطاب عام لجميع الخلق في جميع الأعمال، وتشمل ما كانوا يسِرون به من الكلام في أمر رسول اللّه - ﷺ -.
ثم أقام اللّه تعالى الأدلة على سعة علمه، فقال :« أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ».. هو تقرير لما جاء فى قوله تعالى :« وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ».. فإن علم اللّه سبحانه وتعالى بما نسرّ وما نجهر به من قول ـ أمر لا يصحّ أن ينكره أو يشك فيه عاقل.. فنحن صنعة اللّه.. من التراب، إلى النطفة، إلى العلقة، إلى المضغة، إلى أن نصبح بشرا سويا.. وإذا كان ذلك شأن اللّه فينا ـ أفيخفى على اللّه بعد ذلك شىء من ظاهرنا، أو باطننا ؟ أفيخفى على الصانع شىء من أسرار ما صنع ؟ أيخفى على صانع آلة من الآلات البخارية، أو الكهربية، أىّ جزء من أجزائها.. دقّ، أو عظم ؟ ألا يعلم السرّ فى كل حركة من حركاتها، أو سكنة من سكناتها ؟ ألا يعلم لم تتحرك، ولم تسكن ؟..
فإذا كان ذلك كذلك فيما يخلق المخلوقون، فكيف لا يكون هذا الربّ العالمين، وخالق المخلوقين ؟..
فالاستفهام فى قوله تعالى :« أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ » استفهام تقريرى..


الصفحة التالية
Icon