وقوله تعالى :« وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » صفتان من صفات اللّه تعالى » تكشفان عن سعة علمه، ونفوذ هذا العلم إلى أعمق أعماق الوجود.. فهو علم « اللطيف » الذي لا يحجب عنه شىء « الخبير » الذي لا تخفى عليه حقيقة أي شىء.. "
وفي التفسير المنير : أي ألا يعلم الخالق الذي خلق الإنسان وأوجده السرّ ومضمرات القلوب؟ فهو تعالى الذي خلق الإنسان بيده، وأعلم شيء بالمصنوع صانعه، وهو العليم بدقائق الأمور، وما في القلوب، والخبير بما تسرّه وتضمره من الأمور، لا تخفى عليه من ذلك خافية. والمراد : ألا يعلم السّر من خلق السّر.
وقيل : معناه : ألا يعلم اللّه مخلوقه؟ قال ابن كثير : والأول (أي ألا يعلم الخالق) أولى لقوله : وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. والواقع أن كلا المعنيين محتمل، فيمكن جعل مَنْ اسما للخالق جل وعز، ويكون المعنى : ألا يعلم الخالق خلقه، كما يمكن جعلها اسما للمخلوق، ويكون المعنى : ألا يعلم اللّه من خلق. ولا بد من أن يكون الخالق عالما بما خلقه وما يخلقه.
ثم أقام اللّه تعالى الدليل على قدرته، ونبّه إلى تمام نعمته، فقال « هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ».. هو خطاب للناس جميعا، وإلفات لهم إلى فضل اللّه عليهم، وإحسانه إليهم، إذ خلقهم، وأقامهم على خلافة الأرض، وجعل الحياة فيها ذلولا لهم، أي مذللة، ميسرة لهم، بما أوجد فيها من أسباب الحياة، وأدوات العمل للعاملين فيها..
وقوله تعالى :« فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ » هو دعوة إلى العمل فى هذه الحياة، وإلى السعي فى الأرض، والضرب فى وجوهها المختلفة.. فاللّه سبحانه قد وضع بين أيدي الناس خيرات كثيرة ممدودة على بساط هذه الأرض، وعليهم هم أن يتحركوا فى كل وجه على هذا البساط، وأن يمدّوا أيديهم إلى كل شىء يقدرون عليه من هذا الخير، فإن هم لم يفعلوا، فقد بخسوا أنفسهم حقها من الحياة الكريمة على هذه الأرض، ونزلوا إلى درجة الحيوانات التي تأكل من حشائشها، وخسيس ثمارها..


الصفحة التالية
Icon