ومع أن من المحتمل أن يكون الخطاب فيها موجها للكافرين الذين هم موضوع الخطاب في الآيات السابقة فإنها تنطوي على ما هو المتبادر على تلقينات جليلة المدى :
١ - فقد سخّر اللّه الدنيا للجميع فليس لأحد أن يمنع أحدا من السعي في مناكبها والانتفاع منها.
٢ - وقد حثّ الجميع على السعي في مناكبها فليس لأحد أن يأكل سعي غيره أو يسلبه ثمرات سعيه ويقعد هو عن السعي.
٣ - وقد سخّر الدنيا ومنافعها لجميع الناس ولكنه نبههم إلى أن هذه المنافع لا تنال إلّا بالسعي والعمل.
٤ - وقد قرر أن الرزق الذي يستخرجه الناس من الأرض هو في الحقيقة رزقه لأنه هو الذي خلق مادته وأوجد القوى والأسباب التي تساعد على إخراجه، فلا حقّ لأحد أن يدّعيه لنفسه أو يحتكره من دون الناس. (١)
وفي الظلال :" تتمة لمدلول الآية الثانية في السورة :«لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا».. بذكر الجزاء بعد ذكر الابتلاء :«إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ»..
والغيب المشار إليه هنا يشمل خشيتهم لربهم الذي لم يروه، كما يشمل خشيتهم لربهم وهم في خفية عن الأعين، وكلاهما معنى كبير، وشعور نظيف، وإدراك بصير. يؤهل لهذا الجزاء العظيم الذي يذكره السياق في إجمال : وهو المغفرة والتكفير، والأجر الكبير.
ووصل القلب باللّه في السر والخفية، وبالغيب الذي لا تطلع عليه العيون، هو ميزان الحساسية في القلب البشري وضمانة الحياة للضمير.. عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ عَلَى الْحَالِ، فَإِذَا فَارَقْنَاكَ كُنَّا عَلَى غَيْرِهَا، فَنَخَافُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نِفَاقًا قَالَ: " كَيْفَ أَنْتُمْ وَرَبَّكُمْ ؟ " قَالُوا: اللهُ رَبُّنَا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ،