بعد بيان الأدلة على علم اللّه وقدرته لترهيب الكافرين وتخويفهم، أورد تعالى أدلة أخرى بقصد الوعيد والتهديد، من إمكان الخسف العاجل بأهل الأرض، أو إرسال الريح الحاصب التي تدمر كل شيء، مع التذكير بإهلاك الأمم السابقة كعاد وثمود وقوم نوح وفرعون وجنوده، وإقدار الطير على الطيران في جو السماء.
المعنى العام :
بعد أن ذكر ما أعده للكافرين من نار تلظى، ووصف هذه النار بما تشيب من هوله الولدان - أردف ذلك بترهيبهم وتخويفهم بأنهم لا يأمنون أن يحل بهم فى الدنيا مثل ما حل بالمكذبين بالرسل من قبلهم : من خسف عاجل تمور به الأرض مورا، أو ريح حاصب تهلك الحرث والنسل، ولا تبقى منهم ديّارا ولا نافخ نار ثم ضرب لهم المثل بما حل بالأمم قبلهم من ضروب المحن والبلاء، فقد أهلكت ثمود بصاعقة لم تبق ولم تذر، وأهلكت عاد بالريح الصرصر العاتية التي سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما - متتابعة - وأهلك فرعون وقومه بالغرق فى بحر القلزم (البحر الأحمر) ثم لفت أنظارهم إلى باهر قدرته، وعظيم منّته على عباده، فطلب منهم أن يروا الطير وهى تبسط أجنحتها فى الجو تارة، وتضمها أخرى بتسخير اللّه وتعليمه ما هى فى حاجة إليه. (١)
فاحذروا أيها الناس هذا التمادي في الباطل، والتكذيب للرسل، واذكروا أنه تعالى جعل لكم الأرض سهلة لينة منقادة انقياد الدابة الذلول، فدعوا إذن العناد والتكذيب، واعلموا أن إليه النشور، وإليه وحده مرجع الإنسان في الحياة الأخرى ليحاسبه ويجازيه.
واعلموا أيها الناس أن اللّه قادر على تبديل النعم بالنقم، فاحذروا عقابه، واخشوا غضبه، أأمنتم الحق - تبارك وتعالى - أن يخسف بكم الأرض، ويغيبكم فيها، فإذا هي تتحرك بشدة حركة غير عادية ؟ أأمنتم أيها القوم ذلك الإله العظيم الذي

(١) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٢٩ / ١٦)


الصفحة التالية
Icon