تعتقدون أنه موجود في السماء - مع أنه ثبت بالدليل العقلي أن اللّه ليس له مكان بل هو موجود بقدرته وعلمه وإحاطته في كل مكان - أأمنتم أن يهلككم، ويبيدكم، ويغير هذه الأرض الذلول التي تنتفعون بها في كل شيء، فإذا هي تمور وتضطرب ؟ !
بل أأمنتم اللّه الذي هو في السماء - كما تعتقدون - أن يرسل ريحا شديدة تثير الحصباء وتحملها، هذه الريح ترسل عليكم فتهلككم وتستأصل شأفتكم ؟ !
انظر إلى ترتيب الآيات ترتيبا محكما دقيقا حيث ذكرهم ربك بنعمة صلاحية الأرض للمعيشة، ثم حذرهم عاقبة التمادي في الباطل، وأن من الحكمة ألا يأمنوا زوال النعم فإن اللّه قادر على سلبهم إياها، فبعد أن تكون الأرض ذلولا تصبح كالفرس الجموح فترجف وتضطرب اضطراب خسف وهلاك حتى تبتلعهم، وكأن العرب استبعدوا هذا، فأضرب الحق - تبارك وتعالى - عن تهديدهم بهذا إلى تهديدهم بشيء كثير الحصول عندهم، وهو الريح الحاصب التي تنزع الناس، وتتركهم هلكى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية ؟ ! وفيه يتبين إنذار اللّه لهم حقا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ؟ !
ثم أراد اللّه أن يهددهم بأسلوب آخر يكون بلفت نظرهم إلى من تقدمهم من الأمم التي كذبت رسلها، وأبيدت عن آخرها، وفي ذلك سلوى للرسول الأكرم.
ولقد كذب الذين من قبلهم من الأمم السابقة التي عرفوها، وكانوا يمرون على آثارهم، فغضب اللّه عليهم وأذاقهم عذاب الحياة الدنيا، وخسف بهم الأرض، وأهلكهم وتلك آثارهم، فانظروا كيف كان نكيري وسخطى على الكفار ؟ !
هؤلاء كذبوا برسلهم، واستخفوا بوعيدهم، واغتروا بمالهم، فكانت عاقبة أمرهم خسرا في الدنيا والآخرة، وكان المشركون من العرب يعتقدون أن ما يهددون به لن يحل أبدا، فذكرهم بما حل بغيرهم. وذكر لهم بعض آيات قدرته في الكون ليعلموا أن اللّه على كل شيء قدير. فقال ما معناه : أليس من عجائب القدرة ما يراه الإنسان في كل وقت وآن، من تحليق الطيور في أجواز الفضاء، من الذي