أي إن الكفار الذين كانوا قبلهم، والذين كذبوا الرسل، شاهدوا أمثال هذه العقوبات بسبب كفرهم، كعاد وثمود وكفار الأمم، فحاق بهم سوء العذاب، وانظروا كيف كان إنكاري عليهم بما أوقعته بهم من العذاب الشديد؟
وأما البرهان فقد ذكر تعالى عدة براهين على كمال قدرته، مما يدل على كونه تعالى قادرا على إيقاع جميع أنواع العذاب بالكفار.
وهذا هو البرهان الأول « أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ.. ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ».. هو دعوة مجدّدة إلى هؤلاء المشركين، أن يعيدوا النظر فى موقفهم الضال عن طريق الهدى، بعد أن طالت مسيرتهم فى هذا الطريق المنحرف، وبعد أن أصبحوا فى معرض سخط اللّه، ونقمته.. فتلك هي فرصتهم الأخيرة، إن أفلتت منهم، ولم يستقيموا على الطريق المستقيم، فليس لهم بعد هذا إلا أن يردوا موارد الهالكين..
والدعوة التي يدعَى إليها المشركون هنا، للإيمان باللّه، والاستقامة على طريق الحق ـ هى دعوة موجهة إلى عقولهم التي غطّى عليها الجهل والضلال، وذلك بأن يوقظوا هذه العقول، وأن ينظروا بها إلى آيات اللّه التي بين أيديهم من صحف الوجود، بعد أن أصمّوا آذانهم عن آيات اللّه التي تتلى عليهم.. وآيات اللّه التي بين أيديهم كثيرة لا يحصرها عدّ..
ثم إنه لكيلا تزيغ أبصارهم، ولا تضطرب عقولهم أمام هذه الآيات الكثيرة ـ فها هي ذى آية وضعها اللّه تعالى بين أيديهم، ودعاهم إلى النظر فيها، وتقليبها على جميع وجوهها..
فلينظروا إلى الطير، وقد صفت أجنحتها ـ أي بسطتها فى جو السماء ـ ثم لينظروا إليها، وقد قبضت هذه الأجنحة، أو ضمتها، وهي فى حالتيها تلك، محلقة فى الجو، سابحة فى السماء، لا تسقط، كما تسقط الأجسام من أعلى إلى أسفل..