١٣. لا يعقلون :
قال تعالى :﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (١٧١)﴾ البقرة
وَمَثَلُ الذِينَ كَفَرُوا فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الغَيِّ والضَّلاَلِ، وَالجَهْلِ وَتَقْلِيدِ الآبَاءِ والرُّؤَسَاءِ، كَمَثَلِ الدَّوَابِّ السَّارِحَةِ التِي لاَ تَفْقَهُ شَيْئاً مِمَّا يُقَالُ لَهَا، فَإِذَا نَعَقَ فِيها رَاعِيها فَإِنَّها تَسْمَعُ صَوْتَهُ، وَلكِنَّها لاَ تَفْقَهُ مَا يَقُولُ وَلاَ تَفْهَمُهُ، فَهُمْ صُمٌّ عَنْ سَمَاعِ الحَقِّ، وَبُكْمٌ لاَ يَتَفَوَّهُونَ بِهِ، وَعُمْيٌ عَنْ رُؤْيَةِ طَرِيقِهِ وَمَسْلَكِهِ، لاَ يَعْقِلُونَ شَيئاً وَلاَ يَفْهَمُونَ.
وسواء كان هؤلاء الذين تعنيهم الآية هم المشركون الذين تكرر منهم هذا القول كلما دعوا إلى الإسلام، وإلى تلقي شرائعهم وشعائرهم منه، وهجر ما ألفوه في الجاهلية مما لا يقره الإسلام. أو كانوا هم اليهود الذين كانوا يصرون على ما عندهم من مأثور آبائهم ويرفضون الاستجابة للدين الجديد جملة وتفصيلا.. سواء كانوا هؤلاء أم هؤلاء فالآية تندد بتلقي شيء في أمر العقيدة من غير الله ; وتندد بالتقليد في هذا الشأن والنقل بلا تعقل ولا إدراك: (أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون). أولو كان الأمر كذلك، يصرون على اتباع ما وجدوا عليه آباءهم ؟ فأي جمود هذا وأي تقليد ؟!
ومن ثم يرسم لهم صورة زرية تليق بهذا التقليد وهذا الجمود، صورة البهيمة السارحة التي لا تفقه ما يقال لها، بل إذا صاح بها راعيها سمعت مجرد صوت لا تفقه ماذا تعني ! بل هم أضل من هذه البهيمة، فالبهمية ترى وتسمع وتصيح، وهم صم بكم عمي: (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء. صم بكم عمي فهم لا يعقلون) !
صم بكم عمي. ولو كانت لهم آذان والسنة وعيون. ما داموا لا ينتفعون بها ولا يهتدون. فكأنها لا تؤدي وظيفتها التي خلقت لها، وكأنهم إذن لم توهب لهم آذان وألسنة وعيون.
وهذه منتهى الزراية بمن يعطل تفكيره، ويغلق منافذ المعرفة والهداية، ويتلقى في أمر العقيدة والشريعة من غير الجهة التي ينبغي أن يتلقى منها أمر العقيدة والشريعة..
ــــــــــــ


الصفحة التالية
Icon