﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ أي: هذا الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴿فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ الشَّاكِّين في الجملة التي أخبرتك بها من أمر القِبلة وعناد اليهود وامتناعهم عن الإِيمان بك
﴿ولكلٍّ﴾ أَيْ: ولكلِّ أهل دينٍ ﴿وجهةٌ﴾ قِبلةٌ ومُتوجَّةٌ إليها في الصَّلاة ﴿هو مُوَلِّيْها﴾ وجهَه أَيْ: مستقبلها ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ فبادروا إلى القبول من الله عزَّ وجل ووَلُّوا وجوهكم حيث أمركم الله تعالى ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾ يجمعكم الله تعالى للحساب فيجزيكم بأعمالكم ثم أَكَّد استقبال القبلة أينما كان بآيتين وهما قوله تعالى:
﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بغافل عما تعملون﴾
﴿ومن حيث خرجت﴾ الآية وقوله: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لئلا يكون للناس عليكم حجَّةٌ﴾ يعني: اليهود وذلك أنَّ اليهود كانوا يقولون: ما درى محمَّدٌ أين قِبلته حتى هديناه ويقولون: يخالفنا محمَّدٌ فِي ديننا ويتَّبِع قِبلتنا فهذا كان حجِّتهم التي كانوا يحتجُّون بها تمويهاً على الجُهَّال فلمَّا صُرفت القِبلة إلى الكعبة بطلت هذه الحجَّة ثمَّ قال تعالى: ﴿إلاَّ الذين ظلموا منهم﴾ من النَّاس وهم المشركون فإنَّهم قالوا: توجَّه محمدٌ إلى قِبلتنا وعلم أنَّا أهدى سبيلاً منه فهؤلاء يحتجُّون بالباطلِ ثمَّ قال: ﴿فلا تخشوهم﴾ يعني: المشركين في تظاهرهم عليكم فِي المُحاجَّة والمحاربة ﴿واخشوني﴾ فِي ترك القِبلة ومخالفتها ﴿ولأُتمَّ نعمتي عليكم﴾ أَيْ: ولكي أَتمَّ - عطفٌ على ﴿لئلا يكون﴾ - نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ بهدايتي إيّاكم إلى قِبلة إبراهيم فَتَتِمُّ لكم الملَّة الحنيفيَّة ﴿ولعلكم تهتدون﴾ ولكي تهتدوا إلى قِبلة إبراهيم