الإمام الزهري عن أنس بن مالك- سيأتي بعد قليل- والذي يشير إلى اختلاف أهل العراق وأهل الشام في القراءة، وهم في غزوة في بقاع إرمينية وأذربيجان، مما دفع حذيفة بن اليمان (ت ٣٦ هـ) إلى التوجه إلى دار الخلافة يدعو إلى وضع حد لذلك الخلاف.
وساق لنا ابن أبي داود عدة روايات عن أبي الشعثاء، منها: أنه قال:
(كنا جلوسا إلى المسجد وعبد الله يقرأ، فجاء حذيفة فقال: قراءة ابن أم عبد، وقراءة أبي موسى، والله إن بقيت حتى آتي أمير المؤمنين- يعني عثمان- لأمرته بجعلها قراءة واحدة) «١».
ولعل أسبابا أخرى للجمع لم تذكرها الروايات، وإن عرفت من بين القرائن هي جهل الجمهور الجديد بنزول القرآن على سبعة أحرف، وهم حتى إن عرفوا الحديث الذي ينص على نزول القرآن على هذه الأحرف فإنهم يجهلون القراءات الصحيحة التي يحتكمون إليها عند الاختلاف «٢»، وبذلك تضافرت الأسباب والدوافع التي من خلالها رأى عثمان رضي الله عنه بثاقب عقله، وصادق نظره، أن يتدارك الخلاف، وأن يستأصل الداء، بجمعهم على قراءة واحدة، القراءة العامة التي كان يقرؤها عامة الصحابة في المدينة وفي غيرها من الأمصار، وهي القراءة التي كتب عليها زيد رضي الله عنه القرآن في زمن النبي ﷺ وفي خلافة الصديق «٣».
المطلب الثاني: ثمرة العمل واللجنة القائمة به:
شرع عثمان رضي الله عنه في تنفيذ هذا القرار الحكيم، وكان أول ما بدأ به
(٢) ينظر: تاريخ القرآن والتفسير، د. عبد الله محمد شحاتة: ٥٠.
(٣) ينظر: مناهل العرفان: ١/ ٢٥٦؛ رسم المصحف، د. غانم: ١١٠.