لتحقيق ذلك، أن خطب الناس في المدينة، وفيهم كثير من الصحابة، يستشيرهم ويدعوهم إلى القيام بهذه المهمة، والرواية المشهورة التي بينت خطوات ذلك العمل الكبير هي التي يرويها أبو عبيد في فضائله «١»، والبخاري في صحيحه «٢»، وابن أبي داود في المصاحف «٣»، وغير ذلك من المصادر «٤»، عن ابن شهاب الزهري (ت ١٢٤ هـ) عن أنس بن مالك (ت ٩٣ هـ).
وإليك نص رواية البخاري: (حدثنا موسى، حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن شهاب: أن أنس بن مالك حدثه: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القريشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق).
قال ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أنه سمع زيد بن ثابت قال: (فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع
(٢) صحيح البخاري، باب جمع القرآن، رقم (٤٧٠٢): ٤/ ١٩٠٨.
(٣) كتاب المصاحف: ١/ ٢٠٤ - ٢٠٥.
(٤) البرهان للزركشي: ١/ ٢٣٦؛ فضائل القرآن لابن كثير: ١٨؛ الإتقان: ١/ ١٣٠.