يذهب من القرآن شيء بذهاب جملته، لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد.
فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القرآن حين قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض، فخشي من تفاقم الأمر في ذلك، فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لآيات السورة، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فرأى أن الحاجة إلى ذلك انتهت فاقتصر على لغة واحدة) «١».
المطلب الرابع: أقوال العلماء في معنى الأحرف السبعة ومناقشتها
لقد أجمع العلماء على تواتر روايات حديث الأحرف السبعة، والتي جاءت في صور متقاربة مؤكدة على معنى واحد، وهو: (إن هذا القرآن على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه) «٢»، فقد ورد إلينا هذا الحديث عن طريق أربعة وعشرين صحابيا، وستة وأربعين سندا «٣»، وأورده البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث. ومن الذين نص على تواتره أبو عبيد القاسم بن سلام والإمام السيوطي «٤».
ومن الأحاديث التي يرويها الإمام البخاري بهذا الخصوص: أن عمر بن
(٢) جزء من حديث في صحيح البخاري، رقم (٤٧٠٥): ٤/ ١٩٠٩.
(٣) ينظر: تاريخ القرآن، د. عبد الصبور شاهين: ٣٠؛ رسم المصحف، د. غانم: ١٣٠؛ ونزول القرآن على سبعة أحرف لمناع القطان: ٢٠.
(٤) فضائل القرآن لأبي عبيد: ٢/ ١٦٨؛ وينظر: تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي للإمام السيوطي: ٣٧٤.