وأحكامه، وكان يعارض به جبريل كل عام مرة وعارضه به في العام الأخير مرتين، كل ذلك كان على الترتيب المعروف لنا في المصاحف، وكذلك كان كل من حفظ القرآن أو شيئا منه من الصحابة حفظه مرتب الآيات على هذا النمط، وشاع ذلك وذاع وملأ البقاع والأسماع، يتدارسونه فيما بينهم، ويقرءونه في صلاتهم، ويأخذه بعضهم عن بعض، ويسمعه بعضهم عن بعض بالترتيب القائم الآن، فليس لواحد من الصحابة والخلفاء الراشدين يد ولا تصرف في ترتيب شيء من آيات القرآن الكريم «١».
ومن الأدلة على أن وضع الآيات في المصاحف على هذا النمط هو توقيفي ما أخرجه البخاري عن ابن الزبير قال: قلت لعثمان: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً [البقرة: ٢٤٠] قد نسختها الآية الأخرى، فلم تكتبها ولم تدعها؟ قال: يا ابن أخي، لا أغير شيئا منه من مكانه.
ومنها ما رواه مسلم، عن عمر قال: ما سألت النبي ﷺ عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة، حتى طعن بإصبعه في صدري وقال: «تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء».
وأما ترتيب السور فهل هو توقيفي أيضا، أو هو باجتهاد من الصحابة؟
خلاف.
فجمهور العلماء على الثاني، منهم مالك «٢»، والقاضي أبو بكر الباقلاني «٣»، وقال الزرقاني: وينسب هذا القول إلى جمهور العلماء «٤».
الثالث: إن ترتيب بعض السور كان بتوقيف من النبي ﷺ وترتيب بعضها الآخر

(١) ينظر: مناهل العرفان: ١/ ١٤٧؛ وتاريخ القرآن لإبراهيم الأبياري: ٥٥/ ٦٨؛ والمدخل لدراسة القرآن الكريم لمحمد أبي شهبة: ٢٨٣.
(٢) ينظر: الإتقان: ١/ ١٣٦؛ وترتيب سور القرآن للإمام السيوطي: ٣١.
(٣) نكت الانتصار: ٨٢.
(٤) مناهل العرفان: ١/ ٣٥٣.


الصفحة التالية
Icon