وأما ما استشهد به المستشرق آرثر جفري، مما اعترى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما من خوف ضياع القرآن بقتل حفاظه، للتدليل على وجهة نظرهم بعدم كتابة القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا دليل على قصوره وجهله، وأمر غير مسلم به لهذا التدليل؛ لأن المنهج الذي عليه زيد بن ثابت في كتابة المصحف والذي وصفه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. كان يستلزم الاعتقاد في جمعه على المحفوظ في الصدور والمكتوب في السطور. فكانت الطريقة أن يأتي كل صحابي بما لديه من القرآن مكتوبا ليوافق ما كان يحفظه زيد بن ثابت وعمر بن الخطاب وغيرهما من الصحابة حين نسخ القرآن في المصحف. وهذا زيادة في الإتقان، وللتأكد من المطابقة بين المكتوب والمحفوظ، ولهذا انتابهما الهلع والخوف حينما قتل عدد من الحفاظ، فخافا في المستقبل أن يذهب الآخرون، فيفقد المحفوظ منه، والذي هو أحد مصدري النص القرآني «١».
ثم يقول المستشرق آرثر جفري في آخر هذه النقطة: (وفضلا عن ذلك فإن علماء الغرب لا يوافقون على أن ترتيب نص القرآن كما هو اليوم في أيدينا من عمل النبي صلى الله عليه وسلم) «٢».
قلت: ترتيب نص القرآن أمر لا خلاف فيه- كما بينا في الفصل الثالث

- على عمل المستشرق جفري على مقدمته لكتاب المصاحف: ١/ ١٢٠. إلا أن الدكتور عبد السبحان أخطأ في تعليقه ورده على المستشرق جفري حول حديث زيد بن ثابت الذي ذكرناه في أعلاه، حيث قال الدكتور: بأن هذا الحديث دسيسة عدائية ظاهرة. أقول: الحديث إسناده حسن، كما بينت في الهامش السابق، وسيأتي تفصيل ذلك في نهاية هذه المسألة.
(١) ينظر: المبحث الأول من الفصل الأول ص: ١١ - ٢٠، والمبحث الأول من الفصل الثاني، ص: ١٠١ - ١٠٦ من هذه الرسالة؛ والمستشرقون والقرآن الكريم، رسالة دكتوراه لمحمد بهاء الدين حسين: ١٧٧.
(٢) كتاب المصاحف، مقدمة المستشرق آرثر جفري: ٥.


الصفحة التالية
Icon